باب (الجلاء): الإخراج من أرض إلى أرض

بطاقات دعوية

باب (الجلاء): الإخراج من أرض إلى أرض

عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة {التوبة}؟ قال: {التوبة} هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها. قال: قلت: سورة {الأنفال}؟ قال: نزلت في بدر. قال: قلت: سورة {الحشر}؟ قال: نزلت في بني (وفي رواية: قل: سورة بني 5/ 22) النضير.

المُنافِقونَ هُمُ العَدوُّ غَيرُ الظَّاهرِ الَّذي كانَ يَضرِبُ في الخَفاءِ في المُجتمَعِ المُسلمِ في المَدينَةِ، ولَكِنَّ اللهَ تعالَى أنْقَذَ المُجتمَعَ المُسلِمَ منهم، فكَشَفَ عَن صِفاتِهِم، وفَضَح خفاياهم في غيرِ مَوضِعٍ مِن القُرآنِ الكريمِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ أنَّه سأل ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مُستفهِمًا عن سُورةِ التَّوبةِ، فذكر لَه ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أن سُورةَ التَّوبةِ هيَ الفاضِحةُ؛ وإنما سُمِّيت بذلك لأنها فَضحَتِ المُنافِقينَ وكشفت معايبَهم؛ فقد استمَرَّت تَنزِلُ بالآياتِ، فتَذكُرُ مِن صِفاتِهم فتقولُ: «ومنهم... ومنهم...»، يَقصِدُ قَولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]، وقَولَه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58]، وغيرَ ذلك من الآياتِ، حتَّى ظنُّوا أنَّها لَنْ تُبقيَ أحدًا منهم إلَّا ذُكِرَ فيها، يَعني مِنَ المُنافقينَ.
ويَذكُر ابنُ جُبيرٍ أنَّه سأل ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أيضًا عَن سُورَةِ الأنفالِ. يعني: سبَبَ نُزولِها، فذكرَ له ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنها نَزلَتْ في غزوةِ بَدرٍ.
وأخبر ابنُ جُبَيْرٍ أنه سأل ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أيضًا عَن سُورةِ الحَشرِ، فذكر ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنها نَزلَتْ في بَني النَّضيرِ، وهُمُ اليَهودُ الَّذينَ أجْلاهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وبنو النَّضيرِ واحِدةٌ من قَبائِلِ اليَهودِ التي كانت تَعيشُ بالمدينةِ قبل هِجرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتَّى أتَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، وعقد معهم عهدًا، إلَّا أنَّهم خانوا عَهْدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهَمُّوا بقَتْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَدْرًا، فخرَجَ إليهم مع أصحابِه في السَّنةِ الرَّابعةِ مِن الهجرةِ، وحاصَرَهُم حتى هزَمَهم اللهُ عزَّ وجَلَّ، وفيهم نزلت سورةُ الحَشرِ، كما أخبر ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَنزلةِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما العِلميَّة، وأنَّه كان مَرجِعًا في السُّنَّةِ وعالِمَا بأسبابِ نُزولِ القرآنِ.