باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه
حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبى أمامة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ».
الإخْلاصُ شرْطُ قَبولِ الأعْمالِ، وعَلامةُ كمالِ الإيمانِ؛ فمَنْ أخلَص كلَّ طاعاتِه لِلَّهِ تعالى، طالِبًا منه الأجرَ والثَّوابَ لا لِطَلبِ سُمعةٍ ورِياءٍ فإنَّه يَكمُلُ إيمانُه
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "من أحَبَّ للهِ، وأبْغَضَ للهِ"، أي: أحَبَّ وأبْغَضَ بما يُقرِّبُ مِن طاعةِ اللهِ، فيُخرِجُ حظَّ النَّفسِ مِن الحُبِّ والكُرهِ للغيرِ، إلَّا بما يُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ، "وأعطَى للهِ"، أي: ما كان مِن إنفاقٍ كصَدَقةٍ وهَديَّةٍ، لا يُريدُ بها إلَّا وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيُعطي في مَرضاةِ اللهِ مَن يُحبُّهم اللهُ ويُحبُّونَ اللهَ، وفي الحديثِ القُدسيِّ الذي رواه أحمدُ: "حَقَّتْ مَحبَّتي للذين يَتباذَلون مِن أجْلي"، "ومَنَعَ للهِ"، أي: وأمْسَكَ وامْتنَع عن إنفاقِ مالِهِ في غيرِ ما أمَر به اللهُ عزَّ وجلَّ، وكان إمساكُه طلبًا لرِضا اللهِ وليس منعًا لِهوًى في نفْسِه كالشُّحِّ والبُخْلِ، "فقد استَكمَل إيمانَه"، أي: يكون إيمانُهُ كاملًا لا نقْصَ فيه إذا اتَّصَفَ بهذه الصفاتِ، ومَن جعَل حَياتَه كلَّها للهِ، كان جَزاؤُه أنَّه كَمُلَ إيمانُه. وإنَّما خَصَّ الأفعالَ الأربعةَ؛ لأنَّها حُظوظٌ نَفْسانيَّةٌ؛ إذْ قلَّما يُمحِّصُها الإنسانُ للهِ تعالى، فإنْ قدَرَ على مِثلِ تلك الأمورِ أنْ يَجعَلَها للهِ تعالى، كان على غَيرِها أقدَرَ