باب: الرؤيا ثلاث2

سنن ابن ماجه

باب: الرؤيا ثلاث2

حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا يزيد بن عبيدة، حدثني أبو عبيد الله مسلم بن مشكم
عن عوف بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" قال: قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال (1): أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2)

خُتِمَتِ النُّبوَّةُ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَبْقَ من آثارِها إلَّا البُشرَياتُ الَّتي يُبشِّرُ اللهُ تعالى بها المؤمنَ في الرُّؤيا، فيُبشِّرُه اللهُ بخيرٍ، أو يُحذِّرُه مِنْ شَرٍّ، وكلَّما كان المرءُ أَكْثَرَ إيمانًا وتَقْوى كانَتْ رؤياه أكثرَ صِدقًا وتَحقُّقًا، والرُّؤَى أقسامٌ ثلاثةٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لذلك، حيثُ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ"، أي: اقْتَرَبَ الزَّمانُ مِنْ ساعةِ الحَشْرِ والقيامةِ، أو اسْتِواءِ اللَّيلِ والنَّهارِ، أو تَقارَبَ الزَّمانُ بألَّا يَكونَ فيه بَرَكةٌ، فيَظْهَرَ كأنَّه قصيرٌ لا تُنْجَزُ فيه الأعمالُ، "لم تَكَدْ رُؤيا المؤمنِ أنْ تَكْذِبَ"، أي: لِما فيها مِنْ صِدْقٍ وحَقيقةٍ، والرُّؤيا: هي ما يراه النائمُ في مَنامِه، "وأَصْدَقُهم رؤيا أَصْدَقُهم حديثًا"، أي: أَصْدَقُ النَّاسِ في رُؤياه من كان الصِّدْقُ عادتَه في الحديثِ والكلامِ مع غيرِه، وهذا مِنَ الإيمانِ.
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "والرُّؤيا ثلاثٌ"، أي: ثلاثةُ أنواعٍ: "فالرُّؤيا الصَّالِحةُ بُشْرى مِن اللهِ"، أي: يُبشِّرُ اللهُ بها المؤمِنَ بالخيرِ، وهذه تَقَعُ للمُؤمنِ الصَّادِقِ يُرِيها اللهُ له، "والرُّؤيا تَحزينٌ من الشَّيطانِ"؛ حيثُ يُوَسوِسُ للنَّاسِ بما يُحْزِنُهم في مَنامِهم أو يَتلاعَبُ بهم؛ فإذا كانتْ الرُّؤيا مِنَ الشَّيطانِ سُمِّيتْ حُلْمًا، "ورُؤيا ممَّا يُحدِّثُ به المرءُ نَفْسَه"، أي: نوعٌ مِنَ الخواطِرِ الَّتي تَدورُ في عَقْلِ المرءِ وقَلْبِه، فيتَصوَّرُها في مَنامِه.
ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "فإذا رأى أَحَدُكم ما يَكْرَهُ"، أي: ما يَسُوءُه في رُؤيتِه؛ "فليَقُمْ فليُصَلِّ ولا يُحدِّثْ بها النَّاسَ"، أي: فلا يُحدِّثِ النَّاسَ بما رأى ولا يَعبَأْ بِه، وإنَّما يَشْتَغِلُ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ للهِ والاسْتِعاذةِ مِنَ الشَّيطانِ، "وأُحِبُّ القَيْدَ"، أي: رَبْطَ الرِّجْلِ، "وأَكْرَه الغُلَّ"، أي: رَبْطُ اليدَينِ في العُنُقِ؛ ثم فسَّرَ وجه ذلك بقوله: "والقَيدُ ثَباتٌ في الدِّينِ"، أي: يدلُّ على ثَباتِ المرءِ في دِينِه وأنَّه لا تُحرِّكُه المعاصي والشَّهواتُ، ولكِنَّ الغُلَّ: صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ رؤيا المؤمِنِ حَقٌّ، وأنَّها تَقَعُ كَما رآها، وخاصَّةً في عند تقارُبِ الزَّمانِ.
وفيه: بيانُ عِلاجِ مَن رأَى ما يَكرَه في مَنامِه، وهو عدمُ التحديثِ بما رأى، وإنما يَشتغِلُ بالصَّلاةِ والذِّكرِ