باب الرخصة فى المدركين يفرق بينهم

باب الرخصة فى المدركين يفرق بينهم

 حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا عكرمة قال حدثنى إياس بن سلمة قال حدثنى أبى قال خرجنا مع أبى بكر وأمره علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغزونا فزارة فشننا الغارة ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا فجئت بهم إلى أبى بكر فيهم امرأة من فزارة وعليها قشع من أدم معها بنت لها من أحسن العرب فنفلنى أبو بكر ابنتها فقدمت المدينة فلقينى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لى « يا سلمة هب لى المرأة ». فقلت والله لقد أعجبتنى وما كشفت لها ثوبا. فسكت حتى إذا كان من الغد لقينى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى السوق فقال « يا سلمة هب لى المرأة لله أبوك ». فقلت يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا وهى لك. فبعث بها إلى أهل مكة وفى أيديهم أسرى ففاداهم بتلك المرأة.

كان النبي صلى الله عليه وسلم كريما متواضعا عادلا، يعرف حقوق رعيته وجنده، لا يبغي عليهم ولا يظلمهم ولا يعتدي على حق من حقوقهم وما ثبت لهم
وفي هذا الحديث يروي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنهم غزوا فزارة، هو اسم أبي قبيلة من غطفان، وسبب هذه الغزوة أن زيد بن حارثة رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام، فلما كان بقرب من وادي القرى، لقيه ناس من بني فزارة من بني بدر، فضربوه وضربوا أصحابه حتى ظنوا أنهم قد قتلوا، وأخذوا ما كان معه من مال، فرجع زيد رضي الله عنه إلى المدينة بعد شفائه، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني فزارة، وكان ذلك في رمضان سنة ست من الهجرة، وكان قائد السرية أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ويخر سلمة رضي الله عنه أه لما كان بينهم وبين الماء الذي كان عليه العدو ساعة؛ أمرهم أبو بكر رضي الله عنه «فعرسنا»، أي: نزلنا آخر الليل عن الطريق؛ لنستريح من تعب الطريق، حتى نواجه العدو بنشاط، ثم أغار عليهم من كل وجه، وفي رواية أحمد: «فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر، فشنينا الغارة»، فجاء الماء وقتل من عليه من مشركي فزارة، «وأنظر» أي: ونظرت إلى «عنق من الناس»، أي: أنه رأى جماعة من العدو تهرب إلى الجبل؛ لتحتمي به من جيش أبي بكر رضي الله عنه، «فيهم الذراري»، وهم الأولاد والنساء، قال سلمة رضي الله عنه: «فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل» فيكون هروبهم سريعا منه، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل؛ لتخويفهم بالقتل ومنعهم من الصعود فيه، فلما رأوا السهم وقفوا، ولم يصعدوا، فأسرهم سلمة رضي الله عنه، فجاء بهم يسوقهم، وفيهم امرأة من بني فزارة، وهي أم قرفة، عليها «قشع من أدم» وهي الجلود اليابسة، وفسره الراوي في الحديث بالنطع، أي: عليها كساء من جلد مدبوغ، معها ابنة لها من أحسن العرب، أي: أجملهم، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، أي: أعطانيها نافلة، وهو ما زاد على سهمه من الغنيمة، فقدمنا المدينة «وما كشفت لها ثوبا» وهو كناية عن عدم الجماع، فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال: «يا سلمة، هب لي المرأة» أي: أعطنيها هدية، ولم يفسر له النبي صلى الله عليه وسلم سبب طلبه للمرأة، والمراد بها البنت التي نفله إياها أبو بكر رضي الله عنه، فقلت: «يا رسول الله، والله لقد أعجبتني» أي: رغبت فيها لحسنها وجمالها، وإنه لم يقربها بعد حتى يزهد فيها ويتركها، ثم لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد -وهو صباح اليوم التالي- في السوق، فكرر عليه طلبه بقوله: «يا سلمة، هب لي المرأة، لله أبوك»، وهي كلمة مدح؛ أن أباك أتى بمثلك، فقلت: «هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبا» تأكيد على أنه أعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ما زال لم يقربها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة إلى أهل مكة، ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة
وفي الحديث: أن من هديه صلى الله عليه وسلم المفاداة، وفداء الرجال بالنساء الكافرات
وفيه: التفريق بين الأم وولدها البالغ، وذلك في الأسرى
وفيه: استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه؛ ليفادي به مسلما، أو يصرفه في مصالح المسلمين، أو يتألف به من في تألفه مصلحة
وفيه: قول الإنسان للآخر: لله أبوك