باب الصلاة بعد صلاة العيد
حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، حدثني عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر، فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها، وسخابها»
( لَمْ يُصَلِّ ) : أَيْ سُنَّةً قَالَهُ الطِّيبِيُّ هَذَا النَّفْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ . وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ . قَالَ : وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَبُرَيْدَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى ، وَقَالَ بِهِ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَمَسْرُوقٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَذْكُرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ . انْتَهَى
وَيَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا جَوَازَ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا ، وَرَوَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَبَعْضُهَا فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُصَلُّونَ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا ، وَالْمَدَنِيُّونَ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ، قَالَ فِي الْفَتْحِ ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيُّ ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، وَبِالثَّالِثِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَحْمَدُ ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَنَعَهُ فِي الْمُصَلَّى ، وَعَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا ( تُلْقِي خِرْصَهَا ) : هُوَ الْحَلَقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ ، وَفِي الْقَامُوسِ الْخُرْصُ بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ حَلْقَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ حَلْقَةُ الْقُرْطِ أَوِ الْحَلْقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ انْتَهَى
( وَسِخَابَهَا ) : بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ ، وَهُوَ خَيْطٌ تُنَظَّمُ فِيهِ الْخَرَزَاتُ . وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ السِّخَابَ كَكِتَابٍ قِلَادَةٌ مِنْ سُكٍّ وَقَرَنْفُلٍ وَمَحْلَبٍ بِلَا جَوْهَرٍ . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْخِرْصُ الْحَلْقَةُ وَالسِّخَابُ الْقِلَادَةُ . وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ عَطِيَّةَ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ وَصَدَقَتَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُفْتَقِرًا إِلَى إِذْنِ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِيَأْمُرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى