باب الغلول2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو أسامة، عن أبي سنان عيسى ابن سنان، عن يعلى بن شداد
عن عبادة بن الصامت، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثم تناول شيئا من البعير، فأخذ منه قردة -يعني وبرة- فجعل بين إصبعيه، ثم قال: "يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك، وما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة، وشنار ونار"
حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الخيانةِ والسَّرِقةِ عُمومًا، وخَصَّ بالتَّحذيرِ الخيانةَ في مَغانمِ الحروبِ؛ لأنَّ فيها حُقوقًا للمقاتِلين, وأنصِبَةً للهِ ورَسولِه وأُخْرى للفُقَراءِ والْمَساكينِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ عُبادَةُ بنُ الصَّامتِ رَضِي اللهُ عنه: "صلَّى بِنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يومَ حُنَينٍ"، وحُنينٌ: وادٍ بينَ مكَّةَ والطَّائفِ، وكانت هذه الغزوةُ في السَّنَةِ الثَّامنةِ مِن الهِجرةِ، بعدَ فتْحِ مكَّةَ مُباشَرةً، "إلى جَنْبِ بَعيرٍ"، أي: صلَّى بجِوارِ جمَلٍ، "مِن المقاسِمِ"، أي: مِن إبِلِ الغنيمةِ الَّتي لم تُقْسَمْ بَعدُ، "ثمَّ تَناوَلَ شيئًا مِن البعيرِ، فأخَذ مِنه قَرَدةً، يَعْني: وَبَرةً، فجَعَل بينَ إصبَعَيه"، أي: أمسَك بشَعَرةٍ مِن شَعَراتِ البَعيرِ، "ثمَّ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ هذا مِن غَنائِمِكم"، أي: هذا القدرُ القليلُ مِن شَعَرِ الإبلِ يُعتَبرُ مِن الغنائمَ الَّتي ينبَغي أن تُؤدَّى، "أدُّوا الخيطَ"، أي: اجْمَعوا مِثلَ هذا القدْرِ ورُدُّوه في الغنيمةِ، ولا يَغُرَّنَّكم قِلَّةُ قَدْرِها، "والمخيطُ"، هو الإبرةُ والآلةُ الَّتي تُستعمَلُ في الخياطةِ، "فما فوقَ ذلك فما دُونَ ذلك"، وهذا كِنايةٌ على عَنْ أنَّ قليلَ ما يُغنَمُ وكَثيرَه مَقسومٌ بينَ مَن شَهِدَ الوَقْعةَ ولِمَن حدَّدَهم اللهُ، ليس لأحَدٍ أن يَستبِدَّ مِنه بشيءٍ وإنْ قَلَّ؛ "فإنَّ الغُلولَ"، أي: ما سُرِق وأُخِذ مِن الغَنيمةَ قبلَ أن تُقسَمَ، "فإنَّه عارٌ على أهلِه يومَ القيامةِ وشَنارٌ"، وهو أقبَحُ العيبِ والعارِ، "ونارٌ"، والمعنى: أنَّ الخيانةَ والغُلولَ عَيبٌ في الدُّنيا وفضيحةٌ وتشويهٌ على رُؤوسِ الأشهادِ في العُقْبى يومَ القيامةِ، وجَزاؤُه العذابُ في النَّارِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الخيانةَ إثمُها عظيمٌ، وخطَرُها أشَدُّ يومَ القيامةِ.