باب: المبايعة بعد الفتح على الإسلام والجهاد والخير

بطاقات دعوية

باب: المبايعة بعد الفتح على الإسلام والجهاد والخير

عن مجاشع بن مسعود - رضي الله عنه - قال جئت بأخي أبي معبد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الفتح فقلت يا رسول الله بايعه على الهجرة قال قد مضت الهجرة بأهلها قلت فبأي شيء تبايعه قال على الإسلام والجهاد والخير قال أبو عثمان (يعني النهدي) فلقيت أبا معبد فأخبرته بقول مجاشع فقال صدق. (م 6/ 28

الهِجْرةُ مِن مكَّةَ إلى المَدينةِ انقَطَعَ حُكمُها بعْدَ فَتحِ مكَّةَ، وأمَّا الجِهادُ فهو فَريضةٌ ماضيةٌ في الأُمَّةِ إلى قيامِ السَّاعةِ، ولا يَنقطِعُ عن هذه الأُمَّةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي مُجاشِعٌ السُّلَميُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأخيهِ مُجالِدٍ رَضيَ اللهُ عنه بعْدَ فَتحِ مكَّةَ الَّذي وقَعَ في السَّنةِ الثَّامِنةِ منَ الهِجْرةِ؛ لِيُبايِعَه على الهِجْرةِ إلى المَدينةِ، والمُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيَت بذلك تَشْبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه مِن صاحبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وَعْدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِهمُ: التِزامُ الطَّاعةِ.
فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ذهَبَ أهلُ الهِجْرةِ»، أيِ: الَّذين هاجَروا قبْلَ الفَتحِ، «بِما فِيها»، يعني: منَ الفَضلِ والثَّوابِ الجَزيلِ، فلا يُمكِنُ إدْراكُه، فقال مُجاشِعٌ رَضيَ اللهُ عنه: على أيِّ شَيءٍ تُبايِعُه؟ فأجابَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّه يُبايِعُه على الإسْلامِ، والإيمانِ، وهو أنْ يَأتيَ بأرْكانِهما، وأعْمالِهما على الوَجهِ الَّذي يُرْضي اللهَ عزَّ وجلَّ، وأمَرَ به نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبايَعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الجِهادِ أيضًا، والمَعْنى أنَّه لم يَبْقَ سِوى نِيَّةِ الجِهادِ المَفْروضِ على المُسلِمينَ عندَ نُزولِ العدُوِّ، أو إرادةِ الفَتحِ والغَزوِ؛ فالهِجْرةُ وجَبَتْ لمَعَنيَيْنِ؛ أحَدُهما: نُصرةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه كان في قِلَّةٍ، فوجَبَ على النَّاسِ النَّفيرُ إليه لنَصرِه على أعْدائِه، والآخَرُ: لِاقْتِباسِ العِلمِ، وفَهمِ الدِّينِ، وكان أعظَمُ المَخُوفِ عليهم مكَّةَ، فلمَّا فُتِحَتْ مكَّةُ أمِنَ المُسلِمونَ، وانتَشَرَ الدِّينُ، فقيلَ للنَّاسِ: قدِ انقَطَعتِ الهِجْرةُ، وبَقيَتْ نِيَّةُ المُجاهَدةِ.
ويَحْكي التَّابِعيُّ أبو عُثمانَ النَّهْديُّ راوي الحَديثِ عن مُجاشِعٍ، أنَّه لَقِيَ أبا مَعبَدٍ -وهو مُجالِدٌ أخو مُجاشِعٍ، وكان أكبَرَ مِن أخيهِ مُجاشِعٍ- بعْدَ سَماعِه الحَديثَ مِن مُجاشِعٍ رَضيَ اللهُ عنه، فسَألَه عن حَديثِ مُجاشعٍ الَّذي سَمِعَه منه، فقال مُجالِدٌ: صدَقَ مُجاشِعٌ، يَعني: فيما حدَّثَكَ به.
وفي الحَديثِ: حِرصُ التَّابِعينَ على أخْذِ العِلمِ عن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَحَرِّيهم لصَحيحِ الرِّوايةِ.