باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم6
سنن الترمذى
حدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى قال: حدثنا يونس بن بكير قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت: «أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به أن لا يرى شيئا إلا جاءت كفلق الصبح، فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحبب إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو»: «هذا حديث حسن صحيح غريب»
أكرَمَ اللهُ سُبحانَه وتعالى عبْدَه مُحمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ والنُّبوَّةِ، وقد أعدَّهُ وربَّاهُ واصطفاهُ وهَداه بهِدايتِه قبْلَ النُّبوَّةِ.
وفي هذا الحديثِ تقولُ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "أوَّلُ ما ابْتُدِئَ به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من النُّبوَّةِ"، أي: من إرهاصاتِ ومُقدِّماتِ النُّبوَّةِ، "حين أراد اللهُ كَرامتَه"، أي: إكرامَه، "ورحمةَ العِبادِ به"، أي: بإرسالِه إليهم بالرَّحمةِ والهِدايةِ، "ألَّا يرَى شيئًا"، أي: في المنامِ، والمقصودُ الرُّؤيا، "إلَّا جاءت كفلَقِ الصُّبحِ"، أي: واضحةً كضوءِ الصُّبحِ كما رآها في مَنامِه، "فمكَثَ على ذلك ما شاء اللهُ أنْ يمكُثَ"، أي: ظَلَّ على هذا الحالِ مُدَّةً من الزَّمنِ، "وحُبِّبَ إليه الخَلْوةُ"، وذلك بالانفرادِ والتَّعبُّدِ في غارِ حِراءٍ في مكَّةَ، وقد كان يلبَثُ فيه اللَّيالِيَ المُتتاليةَ يتعبَّدُ، "فلم يكُنْ شَيءٌ أحبَّ إليه مِن أنْ يخلُوَ"، أي: بقِيَ واستمَرَّ على التَّعبُّدِ والانفرادِ والانعزالِ في الغارِ؛ لِمَا في ذلك من البُعْدِ عن شَواغلِ الدُّنيا وعن أفعالِ الشِّركِ، ولِما فيه من تَصفيةِ النَّفْسِ من الأدرانِ، والتَّقرُّبِ إلى اللهِ، والتَّفكُّرِ في آلائِه، وذلك كلُّه بهِدايةِ اللهِ وتوفيقِه لنَبيِّه.
وفي الحديثِ: بَيانُ رِعايةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ لنبيِّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ الرِّسالةِ وتربيتهِ له.
وفيه: أنَّ رُؤيَا الأنبياءِ حَقٌّ.