باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: «لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين» وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: «صلوا فيها فإنها بركة»
( لا تصلوا في مبارك الإبل ) جاء في الأحاديث النهي عن الصلاة في موضع مبارك الإبل ، وفي موضع أعطان الإبل ، وفي موضع مناخ الإبل ، وفي موضع مرابد الإبل ، ووقع عند الطحاوي في حديث جابر بن سمرة : أن رجلا قال يا رسول الله أصلي في مباءة الغنم ؟ قال نعم ، قال أصلي في مباءة الإبل ؟ قال لا والمبارك جمع مبرك وهو موضع بروك الجمل في أي موضع كان . والأعطان جمع عطن وهو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط . وقال ابن حزم : كل عطن فهو مبرك ، وليس كل مبرك عطنا لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط ، والمبرك أعم لأنه الموضع المتخذ له في كل حال والمناخ بضم الميم وفي آخره خاء معجمة : المكان الذي تناخ فيه الإبل . والمرابد بالدال المهملة هي الأماكن التي تحبس فيها الإبل وغيرها من البقر والغنم . والمباءة المنزل الذي يأوي إليه الإبل . قاله العيني . والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في مواضع الإبل ، وعلل ذلك بقوله ( فإنها من الشياطين ) أي الإبل خلقت من الشياطين ، كما في رواية ابن ماجه . فإنها خلقت من الشياطين فهذا يدل على أن علة النهي كون الإبل من الشياطين لا غير ، فالإبل تعمل عمل الشياطين والجنان ، لأن الإبل كثيرة الشراد فتشوش قلب المصلي وتمنع الخشوع . قال الخطابي : قوله صلى الله عليه وسلم : فإنها من الشياطين . يريد أنها لما فيها من النفار والشرود وربما أفسدت على المصلي صلاته ، والعرب تسمي كل مارد شيطانا كأنه يقول : كأن المصلي إذا صلى بحضرتها كان مغررا بصلاته لما لا يأمن نفارها وخبطها المصلي ، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكوت وضعف الحركة إذا هيجت . وقال بعضهم : معنى الحديث أنه كره الصلاة في السهول من الأرض لأن الإبل إنما تأوي إليها وتعطن فيها ، والغنم تبوء وتروح إلى الأرض الصلبة ، قال : والمعنى في ذلك أن الأرض الرخوة التي يكثر ترابها ، ربما كانت فيها النجاسة فلا يتبين موضعهما ، فلا يأمن المصلي أن تكون صلاته فيهما على نجاسة ، فأما القرار الصلب من الأرض فإنه ضاح بارز لا يخفي موضع النجاسة إذا كانت فيه وزعم بعضهم أنه إنما أراد به الموضع الذي يحط الناس رحالهم فيها إذا نزلوا المنازل في الأسفار قال : ومن عادة المسافرين أن يكون برازهم بالقرب من رحالهم ، فتوجد هذه الأماكن في الأغلب نجسة ، فقيل لهم لا تصلوا فيها وتباعدوا عنها والله أعلم . ( في مرابض الغنم ) هي جمع مربض بكسر الباء ، لأنه من ربض يربض مثل ضرب يضرب ، يقال ربض في الأرض إذا التصق بها وأقام ملازما لها ، واسم المكان مربض وهو مأوى الغنم ، مثل بروك الإبل وفي الصحاح ربوض الغنم والبقر والفرس والكلب ، مثل بروك الإبل وجثوم الطير قاله العيني
( صلوا فيها ) أي في مرابض الغنم ( فإنها ) أي الغنم ( بركة ) أي ذو بركة . قال في غاية المقصود : والمعنى أن الغنم ليس فيها تمرد ولا شراد بل هي ضعيفة ، ومن دواب الجنة وفيها سكينة فلا تؤذي المصلي ولا تقطع صلاته ، فهي ذو بركة ، فصلوا في مرابضها . انتهى