باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يستوفى 2

بطاقات دعوية

باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يستوفى 2

 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال لمروان أحللت بيع الربا فقال مروان ما فعلت فقال أبو هريرة أحللت بيع الصكاك (2) وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يستوفى قال فخطب مروان الناس فنهى عن بيعها قال سليمان فنظرت إلى حرس يأخذونها من أيدي الناس. (م 5/ 9

شرَعَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى في البَيْعِ ما يَحفَظُ حُقوقَ النَّاسِ، ويُجنِّبُهمُ التَّنازُعَ والخِصامَ، ويَدفَعُ عنهمُ الضَّرَرَ.
وفي هذا الحَدِيثِ يُرشدُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَنِ اشتَرَى طَعامًا وأرَادَ أن يَبِيعَه، «فلا يَبِعْه» حتَّى يَأخُذَه بالكَيْلِ والمِيزانِ، وهو كِنايةٌ عن قَبْضِه لَه وأنَّه أصبَحَ في حَوْزةِ المُشْتَرِي، وأنَّه يَعلَمُ مِقْدارَه عِلمًا نافيًا للجَهالةِ، وهذا يكونُ فيما بِيعَ بكَيْلٍ؛ فإنَّه لا بُدَّ أنْ يَكِيلَه أوَّلًا حتَّى يَستَوفِيَه تامًّا، ثُمَّ يَبِيعَه بعدَ ذلك، ولا يَحِلُّ له أنْ يَبِيعَه قبْلَ أنْ يَكْتَالَه؛ لأنَّه رُبَّما تَقَعُ فيه زِيادةٌ أو نُقصانٌ، ويكونُ في هذا غَبْنٌ وضَرَرٌ إمَّا على البائِعِ أو المُشتَرِي. فسأَلَ طَاوُسُ بنُ كَيْسانَ -مِنَ التَّابِعينَ- ابنَ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «لِمَ؟»، أي: لِمَ شرَطَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا الشَّرْطَ؟ فقال ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «ألَا تَراهم يتَبايَعونَ بالذَّهَبِ، والطَّعامُ مُرْجَأٌ؟»، أي: أنَّ البَائعَ كان يَقبِضُ الثَّمَنَ بدَنانيرِ الذَّهبِ، ثمَّ يُؤجِّلُ تَسليمَ الطَّعامِ للمُشتَرِي، فشَرَطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُشترِي ألَّا يَبيعَه حتَّى يَقبِضَه، ويكونَ في حوْزَتِه، وقدْ أوضَحَ حَديثٌ آخَرُ في الصَّحيحَينِ أنَّه أرادَ بذلك أنْ يَنقُلَ الطَّعامَ إلى مَكانٍ آخَرَ أو إلى الأَسْواقِ الَّتي يُباعُ فيها، حتَّى لا يُحتكَرَ أو يُتلاعَبَ بسِعْرِه، فبيَّنَ أنَّ الصَّوابَ أنْ يَنقُلوه إلى الأسْواقِ المَعروفةِ للنَّاسِ حيث يُباعُ الطَّعامُ، وحتَّى يَقبِضوه؛ لأنَّ القَبضَ شَرْطٌ، وبالنَّقلِ المذكورِ يَحصُلُ القبْضُ.
وفي الصَّحيحَينِ أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى أنْ يُباعَ الطَّعامُ إذا اشْتراهُ حتَّى يَستوفِيَه، أي: فلا يَتَّخِذُ أيَّ إجراءٍ أو تَصرُّفٍ بالبيعِ مرَّةً أُخرى إلَّا إذا أخَذَ ما اشْتراهُ أوَّلًا، وأصبَحَ في حَوْزتِه، فهنا يُمكِنُه أنْ يُعيدَ بَيعَه، وفي هذا منعٌ لما قد يَضُرُّ بالبائعِ أوِ المُشتَري، أو أهْلِ البَلدِ، فيقَعُ الخِلافُ والتَّشاحُنُ بينَ النَّاسِ، ويقَعُ عليهمُ الضَّررُ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على كلِّ ما هو خيرٌ لأُمَّتِه، ورِفقِهِ بها، حتَّى في المصالحِ الدُّنيويَّةِ.
وفيه: النَّهيُ عنِ اتِّباعِ طُرقِ البَيعِ والشِّراءِ الَّتي تُؤدِّي إلى احْتكارِ السِّلعِ، وغَلاءِ الأسْعارِ، أو تؤدِّي إلى وُقوعِ الضَّررِ بينَ أطْرافِ البَيعِ.