باب بدء الأذان
بطاقات دعوية
كان المسلمون يصلون بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة في رحلة المعراج، وظلوا كذلك إلى أن هاجروا إلى المدينة حتى وقع التشاور في ذلك، إلى أن شرع الأذان، كما في هذا الحديث، حيث يحكي ابن عمر رضي الله عنهما أن المسلمين كانوا يجتمعون عقب هجرتهم للمدينة فيتحينون الصلاة، أي: يقدرون حينها ووقتها؛ ليأتوا ويجتمعوا إليها في المسجد، ولم يكن الأذان قد شرع في تلك الفترة، «فتكلموا يوما في ذلك» أرادوا أن تكون لهم علامة يعرفون بها وقت جماعتهم على الصلاة، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتشاور معهم ويسمع آراءهم، ويرى ما يستنبطونه من أصول الشريعة، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا، وهو الجرس الموجود بالكنائس عند النصارى، وقال آخرون: اتخذوا بوقا، وهو الذي تتخذه اليهود، ينفخ فيه فيخرج صوتا، وكان يتخذ من قرون الحيوانات، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ألا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة، وهذا من حكمة عمر رضي الله عنه وفضله وفطنته، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه، وقال لبلال رضي الله عنه: يا بلال، قم فناد بالصلاة، وقد ورد في أحاديث أخرى أن ألفاظ الأذان رآها عبد الله بن زيد رضي الله عنه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يقوم فيؤذن بهذه الألفاظ التي رآها عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الرؤيا، وهي ألفاظ الأذان التي ينادى بها إلى اليوم، وفي سنن أبي داود وغيره أن عبد الله بن زيد أري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال له: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «ما منعك أن تخبرني؟» ، فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله»
وفي الحديث: دليل عظيم على أصل من أصول الفقه، وهو القول بالقياس في الدين والاجتهاد
وفيه: اقتضاء الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي من المؤمنين؛ لما فيه من التنويه من الله بعبده، والرفع لذكره، والتفخيم لشأنه؛ قال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4]
وفيه: منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وما كان عليه من حسن الرأي