باب خروج الموحدين من النار 3
بطاقات دعوية
عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يسأل عن الورود فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك (2) فوق الناس قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون فيقولون ننظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوء نجم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه (3) ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.
جَعَلَ اللهُ الجَنَّةَ دارَ النَّعيمِ المُقيمِ لعِبادِه المتَّقينَ المؤمِنينَ، وجعلَ النَّارَ عِقابًا للعاصينَ والكَفَرةِ، ومَن رأى هولَ المَحشَرِ والقيامةِ، ثُمَّ فازَ بالجَنَّةِ؛ فإنَّه يَعلَمُ مِقدارَ نِعمةِ اللهِ وفَضلِه عليه، فهو الكريمُ الرَّحيمُ يَتكرَّمُ على عِبادِه بأفضالِه ومَثوبتِه، ويَزيدُهم من نِعَمِه وكَرامتِه.
وفي هذا الحديثِ يَروي التَّابعيُّ أبو الزُّبيرِ مُحمَّدُ بنُ مُسلمِ بنِ تَدرُسَ الأسديُّ أنَّه سَمِعَ مَن يَسألُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما عنِ الوُرودِ، وهو وُرودُ الأُمَمِ النَّارَ يومَ القيامةِ، وهو المذكورُ في قولِ اللهِ تَعالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71].
فأجابَه فقالَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه قائلًا: «نَجيءُ نحن» أيِ: المُسلِمونَ يومَ القيامةِ، «عن كذا وكذا -انظرْ أيْ ذلك- فوقَ النَّاسِ»، هكذا وقَعَ هذا اللَّفظُ في جميعِ الأصولِ من "كِتابِ صحيحِ مُسلمٍ"، واتَّفقَ العُلماءُ على أنَّه تَصحيفٌ، وتَغييرٌ، واختلاطٌ في اللَّفظِ، من أحدِ النَّاسِخينَ، وصوابُه: «نَجيءُ يومَ القيامةِ على كومٍ فوقَ النَّاسِ»، وعندَ أحمدَ من حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «يُبعَثُ النَّاسُ يومَ القيامةِ، فأكُونُ أنا وأمَّتِي على تلٍّ»، وذكَرَ الطَّبريُّ في "التَّفسيرِ" من حديثِ ابنِ عُمَرَ: «فيَرْقى هو وأمَّتُه على كومٍ فوقَ النَّاسِ»، ويَبدو أنَّ هذا الحَرفَ أظلَمَ على الرَّاوي، أوِ انمَحى، فعبَّرَ عنه بـ«كذا وكذا»، وفسَّرَه بقولِه: «أيْ فوقَ النَّاسِ»، وكَتَبَ عليه «انظُرْ» تَنبيهًا، فجَمَعَه مَن نَقَلََ عنه، ونسَّقوه على أنَّه من مَتنِ الحديثِ؛ فيَكونُ قولُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما إنَّنا نحن المُسلِمينَ نأتي يومَ القيامةِ مَرفوعينَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واقِفينَ معه فوقَ مكانٍ مُرتفِعٍ عن أهلِ المَحشَرِ.
ثُمَّ أخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّاسَ عندما يَكونون في المَحشَرِ، يُنادى على كلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُممِ مع أوثانِهم التي كانوا يَعبدونها، فيأتون تِباعًا؛ الأوَّلُ ثُمَّ الذي يليه، والوثنُ هو الصَّنمُ، سواءٌ كانَ من خشبٍ، أو حجرٍ، أو غيرِه، وذلك من الخِزيِ والمَهانةِ؛ إذ يَعلَمونَ حينَها أنَّها آلهةٌ باطِلةٌ لا تُغني عنهم شيئًا، وتَشتدُّ الحَسرةُ على الخاسِرينَ.
ثُمَّ يُخبِرُ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه عن حالِ المؤمِنينَ، فيَقولُ: «ثُمَّ يَأتينا ربُّنا بعْدَ ذلك» إتيانًا يَليقُ بجلالِه؛ لأنَّ المؤمِنينَ باللهِ لم يتَّبعوا إلهًا غيرَ اللهِ، فيَنتظرونَ أن يأتيَهمُ اللهُ ربُّهم ليَتَّبعوه، ولكنَّهم لم يرَوه من قبلُ، فكيفَ يَعرِفونَه؟ ولذلك يَسألُهمُ اللهُ يومَ القيامةِ: مَن تَنتظِرونَ؟ فيُجيبونَ: نَنتظِرُ ربَّنا، فيُخبِرُهم أنَّه ربُّهم، فيَطلُبون النَّظرَ إلى وَجهِه الكريمِ حتَّى يَعرِفوه، كما وُصِفَ لهُم في القرآنِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، فيَتجلَّى لهُمُ الحقُّ سُبحانَه -والتَّجلِّي هو الظُّهورُ وإزالةُ المانعِ منَ الرُّؤيةِ- وهو يضحَكُ ضَحِكًا يَليقُ بِذَاتِه، فيُعرِّفُهم نفسَه، فيَنطلِقُ بهِم ويتَّبِعونه، ويُعطي كلَّ إنسانٍ منهم -مُنافقٍ أو مُؤمِنٍ- نورًا، أمَّا المؤمِنُ فإنَّه يُعطى على مُقتضى إيمانِه وتَوحيدِه لله عزَّ وجلَّ، وأمَّا المُنافِقُ فإنَّه يُعطى نُورًا؛ إظهارًا لمُخادَعتِه المؤمِنينَ في الدُّنيا بإظهارِ إيمانِه.
ثُمَّ يتَّبِعونه عزَّ وجلَّ نَحوَ الصِّراطِ -وهو جِسرُ جَهنَّمَ- وعليه كَلاليبُ، جَمعُ كَلُّوبٍ، وهو الخُطَّافُ الذي يَخطَفُ النَّاسَ، «وحَسَكٌ» وهو نَباتٌ له ثَمرةٌ خَشِنةٌ تَتعلَّقُ بأصوافِ الغنَمِ وأوبارِ الإبلِ، وَرَقُه كوَرَقِ الرِّجلةِ أو أدقَّ، وعندَ وَرقِه شَوكٌ. ثُمَّ يُطفَأُ نُورُ المُنافِقينَ في هذا المَوقِفِ العَصيبِ جزاءً لنِفاقِهم، ثُمَّ يَنجو المُؤمِنون، ولا يَستطيعُ المُنافقون العُبورَ على الصِّراطِ والنَّجاةَ مِنَ الخَطاطيفِ الَّتي تُلقيهِم في النَّارِ.
فتَنجو أوَّلُ زُمرةٍ مِنَ المؤمِنينَ، وتَكونُ وُجوهُهم مُضيئةً كالقَمرِ التَّامِّ ليلةَ البَدرِ، وهذا من فَضلِ اللهِ عليهم، وعَددُهم سبعونَ ألفًا لا يُحاسَبون على أعمالِهم؛ لرِفعةِ قَدرِهم عندَ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى؛ لأنَّ أعمالَهم كلَّها صالِحةٌ مقبولةٌ، لا تَحتاجُ إلى المُحاسَبةِ عليها.
ثُمَّ الَّذين يَلونَهم تَكونُ وُجوهُهم كأضوأِ نجمٍ في السَّماءِ، وهو أقلُّ من نُورِ مَن قبلَهم، ثُمَّ يَستمِرُّ المُرورُ، كلٌّ على حَسبِ عَملِه، ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفاعةُ، أي: يأذَنُ اللهُ تَعالَى بها، ويَشفَعُ الشُّفعاءُ «وهُمُ: الأنبياءُ، والملائكةُ، والمؤمنونَ» فيمَن دخَلَ النَّارَ؛ ليَخرُجوا منها، ويَشفَعون حتَّى يَخرُجَ منَ النَّارِ مَن قال: «لا إلهَ إلَّا اللهُ» في الدُّنيا فآمَنَ بأنَّه لا مَعبودَ بحقٍّ إلا اللهُ، وكان في قلبِه مِنَ الخيرِ ما يَزِنُ شَعيرةً، وهي حَبَّةٌ صَغيرةٌ تَدلُّ على مدى رحمةِ اللهِ بعبادِه، فيُخرِجُهم منَ النَّارِ، ثُمَّ يُجعَلون بفِناءِ الجَنَّةِ، وهو مكانٌ مُتَّسعٌ في الجَنَّةِ، ثُمَّ يَبدأُ أهلُ الجنَّةِ يَرُشُّون ماءً على مَن خَرَج مِنَ النَّارِ بالشَّفاعةِ ودخَل الجنَّةَ، فتَنبُتُ أجسادُهم المُحترِقَةُ كما تَنبُتُ البَذرةُ في الأرضِ عندما يَمُرُّ عليها الماءُ، ويَذهَبُ عنهم أثرُ النَّارِ.
ثُمَّ يَسألُ أحدُ الَّذين دَخَلوا -أو آخِرُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ، كما في الصَّحيحَينِ من حديثِ ابنِ مسعودٍ، يَسألُ اللهَ من فضلِه أن يُعطيَه من نعيمِ الجَنَّةِ ما تَهواه نفسُه، وتَتمنَّاه، فيَجعَلُ له اللهُ سُبحانَه وتَعالَى مِثلَ نَعيمِ الدُّنيا بأسْرِها وعشَرةِ أضعافِها مُلكًا له في الجَنَّةِ.
وفي الحديثِ: ثُبوتُ صِفةِ الضَّحِك، والإتيانِ، والتَّجلِّي للهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: ثُبوتُ رُؤيةِ المُؤمنين لله عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ.
وفيه: ثُبوتُ الشَّفاعةِ.
وفيه: أنَّ الجنَّةَ مَخلوقةٌ وموجودةٌ الآن.
وفيه: خَلاصُ المُؤمنين مِنَ المُنافِقينَ.