باب رعي الغنم على قراريط
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم". فقال أصحابه: وأنت؟ فقال:
"نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"
بعَثَ اللهُ سُبحانَه الأنبياءَ والمُرْسَلِينَ مُبشِّرينَ ومُنذِرين، ولَمَّا كانتْ الرِّسالاتُ تَتطلَّبُ إعدادَ الرُّسلِ وتَأهيلَهم قبْلَ تَحمُّلِها؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه علَّمَهم وربَّاهم بمُختَلفِ الوَسائلِ، ومِن ذلك رَعْيُ الأغنامِ؛ للتَّعوُّدِ على الصَّبرِ والشَّفقةِ والرَّحمةِ، وجَمْعِ المتفرِّقِ، وغيرِ ذلك مِن المعاني.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبْدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مع بَعضِ أصحابِه بمَرِّ الظَّهْرانِ، كما في الصَّحيحَينِ، وهو وادٍ على خَمسةِ أميالٍ (8 كم تَقريبًا) مِن مكَّةَ إلى جِهَةِ المدينةِ، وكانوا يَجْنُون ثَمَرَ الكَباثِ، أي: يَقتِطفون مِن ثَمَرِها لِيَأكُلوه، والكَبَاثُ: هو ثَمَرُ الأراكِ، وهو يُشبِهُ التِّينَ، يَأكُلُه النَّاسُ والإبلُ والغَنَمُ. وكان هذا في أوَّلِ الإسلامِ عِندَما كان الطَّعامُ قَليلًا.
فقال لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أثناءَ الْتقاطِهم هذا الثَّمَرَ: «عَليكمْ بالأَسودِ منه؛ فإنَّه أَطيبُه»، أي: أفضَلُه في الطَّعمِ والمَذاقِ، فقالوا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أكنْتَ ترعَى الغَنمَ؟»؛ إذْ لا يُميِّزُ بيْن أنواعِه -غالبًا- إلَّا مَن يُلازِمُ رَعْيَ الغَنَمِ، فأهْلُ الرَّعيِ همْ مَن يَألَفون هذه النَّبتةَ الصَّحراويَّةَ ويَعرِفونها. فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وهلْ مِن نَبِيٍّ إلَّا وقدْ رَعاها؟!» يعني: أنَّ الأنبياءَ عليهم السَّلامُ قدْ رَعَوُا الغَنمَ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ النُّبوَّةَ لم يَضَعْها اللهُ تعالَى في أبناءِ الدُّنيا والمُتْرَفينَ منهم، وإنَّما جَعَلَها في أهلِ التَّواضُعِ؛ فمِن الحِكمةِ في رِعايةِ الأنبياءِ صُلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم للغَنمِ: أنْ يَأخُذوا أنفُسَهم بالتَّواضعِ، وتُصفَّى قُلوبُهم بالخَلْوةِ، ويَترَقَّوا مِن سِياستِها بالنَّصيحةِ إلى سَياسةِ أُمَمِهم بالهِدايةِ والشَّفقةِ.
وفي الحديثِ: فَضيلةُ رِعايةِ الغَنمِ.
وفيه: بَيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أصحابِه، وطِيبِ مُعاشَرتِه لهم، وحِرصِه علَى مَصالحِهم.