باب ساقي القوم آخرهم شربا
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عبدة، وسويد بن سعيد، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ساقي القوم آخرهم شربا"
حَثَّ الإسلامُ على آدابٍ ومُعامَلاتٍ تَسمو برُوحِ مَنِ التَزَمها وعمِل بها في السِّرِّ أو العلانيةِ، ومِنْ أمثلةِ ذلك ما يُبيِّنُه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ، وكيف تَكونُ خِدمةُ الجماعةِ، وكيف يَسْمو الإنسانُ بنَفْسه عند خِدْمتِهم، وأنْ يُقدِّمَ مَصلحةَ الجماعةِ في سائرِ شؤونِ حياتِه.
وهذا الحديثُ مُختصَرٌ مِنْ رِوايةٍ أُخْرى، وفيها: أنَّ الصَّحابةَ لَمَّا فَقَدوا الماءَ في أَحدِ أَسفارِهم، قال أبو قتادةَ رَضِي اللهُ عَنْه: "وُهْم يَقولونَ: يا رسولَ اللهِ هَلَكْنا، عَطِشْنا، فقال: «لا هُلْكَ عَليكم»، ثم قال: «أَطْلِقوا لي غُمَري»"، أي: ائتُوني به، والغُمَرُ: القَدَحُ الصَّغيرُ، "قال: ودعا بالمِيضأةِ، فجَعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُبُّ، وأبو قتادةَ يَسقيهم، فلَمْ يَعْدُ أنْ رأى النَّاسُ ماءً في المِيضأةِ تَكابُّوا عليها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَحْسِنوا المَلأَ كُلُّكم سَيَرْوى»، قال: ففَعَلوا، فجَعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُبُّ وأَسْقيهم حتَّى ما بَقِي غيري، وغيرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ثُم صَبَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لي: «اشْرَبْ»، فقلتُ: لا أَشْربُ حتَّى تَشربَ يا رسولَ اللهِ"؛ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ساقي القومِ آخِرُهم شُربًا"، أي: مَن تولَّى سِقايةَ القومِ عليه أنْ يكونَ آخِرَهم شُربًا، ولا يشرَبَ إلَّا بعدَ أنْ ينتهيَ مِن سِقايتِهم.
وفي الحَديثِ: أنَّ مَن وَلِيَ أمرًا مِن أمورِ المُسلِمين عليه أن يَحرِصَ على منفعةِ المُسلِمين، ويؤخِّرَ منفعتَه حتَّى تَتِمَّ منفعتُهم.
وفيه: حثُّ الشَّريعةِ على نشرِ الأخلاقِ الفاضلةِ بين المُسلِمين.
وفيه: بيانُ ما كان عندَ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن حُسنِ الأدبِ والالتزامِ لرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.