باب صفة الجنة والنار 12
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة قال: قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار (47) لو أساء؛ ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن؛ ليكون عليه حسرة".
لجنَّةُ هي جزاءُ اللهِ سُبحانَه للمُؤمِنِ، والنَّارُ هي جزاءُ العُصاةِ، وقد تكَفَّل اللهُ سُبحانَه وتعالى بملْئِهما.
وفي هذا الحَديثِ يخبرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا يَدخُلُ الجنَّةَ أحدٌ ممن وجَبَت له، إلَّا أُرِيَ مَقْعدَه مِن النَّارِ الذي كان مُعَدًّا له لو عَمِل في الدُّنيا عمَلًا سيِّئًا بأنْ كفَرَ؛ لِيَزدادَ شُكرًا للهِ، وهذا الشُّكرُ ليس على سَبيلِ التكليفِ، بل على سبيلِ التلَذُّذِ، أو المرادُ لِيَزدادَ فَرَحًا ورِضًا، فعَبَّرَ عنه بلازِمِه؛ لأنَّ الرَّاضِيَ بالشَّيءِ يَشكُرُ مَن فَعَل له ذلك، وكذلك لا يَدخُلُ النَّارَ أحدٌ ممن وجَبَت عليه، إلَّا أُرِيَ مَقْعدَه مِن الجنَّةِ الذي كان مُعَدًّا له لو عَمِل عمَلًا حَسنًا، وهو الإسلامُ؛ لِيَكونَ عليه حَسْرةً زِيادةً على تعذيبِه.
وقد جاء عند ابنِ ماجَهْ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ ذلك يَقَعُ عند المسألةِ في القَبرِ، وفيه: «فيُفرَجُ له فُرجةٌ قِبَلَ النَّارِ فيَنظُرُ إليها، يحطِمُ بَعْضُها بعضًا، فيُقالُ له: انظُرْ إلى ما وقاك اللهُ»، ورَوَى أحمدُ مِن حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: «يُفتَحُ له بابٌ إلى النَّارِ، فيقولُ: هذا كان مَنزِلَك لو كفَرْتَ برَبِّك، فأمَّا إذ آمَنْتَ فهذا مَنزِلُك، فيُفتَحُ له بابٌ إلى الجنَّةِ، فيُريدُ أن ينهَضَ إليه فيقولُ له: اسكُنْ، ويُفسَحُ له في قَبْرِه».
والحِكمةُ مِن ذلك أنَّ المنعَمَ عليه إذا بُولِغَ في الإحسانِ إليه، فإنَّ مِن تَمامِ الإحسانِ أنْ يَشعُرَ قدْرَ السُّوءِ الذي خلَص منه، وأنَّ الكافِرَ إذا اشتَدَّ به العَذابُ، أُرِيَ مَقامَ الفوزِ الذي فاتَه؛ ليَتضاعَفَ حَسرةً ونَدامةً على ما فاتَه مِن الخيْرِ.
وفي الحَديثِ: إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَعْضِ الغَيبِ، وهو مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.