باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم11 -2
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان وهو الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له»
لاشتغالُ بالآخرةِ دارِ القَرارِ سببُ السَّعادةِ والفوزِ بنَعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَنقُص من الرِّزق شَيئًا، والاشتِغالُ بالدُّنيا الفانيةِ يُورِثُ الهُمومَ ويُفرِّقُ الشَّملَ ولا يَزيدُ من الرِّزقِ شيئًا.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مَن كانَتِ الآخِرةُ همَّه"، أي: أهَمَّ ما يَشغَلُه وكانتْ هي قَصْدَه في عمَلِه وحياتِه في الدُّنيا، "جعَل اللهُ غِناه في قلبِه"، أي: رزَقه الكِفايةَ وقنَّعه بما في يدِه، فيكونُ مُستغنِيًا باللهِ عن النَّاسِ، ولا يَطمَعُ في أحَدٍ، "وجمَع له شَمْلَه"، أي: وكانَت أمورُه المتفرِّقةُ مُجتمِعةً بإذنِ اللهِ، ويسَّر له كلَّ شيءٍ، "وأتَتْه الدُّنيا وهي راغِمةٌ"، أي: وتأتيه الدُّنيا وهي ذَليلةٌ؛ لأنَّه لم يتَطلَّعْ إليها، "ومَن كانت الدُّنيا همَّه"، أي: كانت قصْدَه وشُغلَه، وكان غرَضُه مِنها اتِّباعَ الشَّهواتِ، "جعَل اللهُ فقْرَه"، أي: جعَل اللهُ احتِياجَه "بينَ عينَيْه"، أي: أمامَه ولو كان مِن الأغنياءِ، "وفرَّق عليه شَمْلَه"، أي: شتَّت عليه أمرَه فتتشعَّبُ عليه أمورُ الدُّنيا، "ولم يأتِه مِن الدُّنيا إلَّا ما قُدِّر له"، أي: لَم يُحصِّلْ مِنْها رُغمَ هذا السَّعيِ فيها إلَّا ما قد كتَبه اللهُ عزَّ وجلَّ له.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في الاهتِمامِ بالآخِرةِ والإقبالِ عليها، والحَثُّ على الزُّهدِ في الدُّنيا والإعراضِ عنها.