باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم5-2
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر " هذا حديث حسن صحيح
عُمَرُ الإنسانِ له أجَلٌ محَدَّدٌ عند اللهِ تعالى، ولا يَعلَمُه غيرُه سُبحانَه، ومِن سَعادةِ الإنسانِ طُولُ العُمُرِ وحُسنُ العَمَلِ، وِمن أماراتِ الشَّقاءِ أنْ يَطُولَ العُمُرُ، ويَزدادَ أمَلُ الإنسانِ ونَهَمُه لِلشَّهَواتِ مع انغِماسِه في المَعاصي.
وفي هذا الحديثِ يخبِرُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الإنسانَ يَكبَرُ ويَطعُنُ في السِّنِّ، ويَكبُر ويَعظُمُ معه خَصلتانِ، وهما: الحِرصُ على المالِ، وكَراهيةُ الموتِ ونِسيانُه.
والحِكمةُ في التَّخصيصِ بهذينِ الأمرينِ أنَّ أحَبَّ الأشياءِ إلى ابنِ آدمَ نفْسُه؛ فهو راغبٌ في بَقائها؛ فأحَبَّ لذلك طُولَ العُمرِ، وأحَبَّ المالَ؛ لأنَّه مِن أعظمِ الأسبابِ في دَوامِ الصِّحَّةِ التي يَنشَأُ عنها غالبًا طُول العُمرِ، فكلَّما أحَسَّ بقُربِ نَفادِ ذلك، اشتدَّ حبُّه له، ورَغبته في دَوامِه.
وهذا تنبيهٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما فطر عليه النَّاسَ من حُبِّ المالِ وحُبِّ طُولِ العُمُرِ وطُولِ الأمَلِ فيها؛ حتى لا يغتَرُّوا ولا يُلهِيَهم ذلك عن مجاهَدةِ النَّفسِ؛ لِيَمتَثِلوا ما أُمِروا به من الطَّاعةِ وينزَجِروا عمَّا نُهُوا عنه من المعصيةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ حُبَّ الدُّنيا وكَراهيةَ الموتِ يَتساوى فيه الشَّبابُ والشُّيوخُ.
وفيه: الحثُّ على الإقبالِ على الآخِرةِ بالكلِّيَّةِ.
وفيه: ذَمُّ طُولِ الأمَلِ، والحِرصُ على جَمعِ حُطامِ الدُّنيا، خاصَّةً لِمن كَبِرَ سِنُّه.