باب على ما يقاتل المشركون
حدثنا الحسن بن على وعثمان بن أبى شيبة المعنى قالا حدثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبى ظبيان حدثنا أسامة بن زيد قال بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فضربناه حتى قتلناه فذكرته للنبى -صلى الله عليه وسلم- فقال « من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ». فقلت يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح. قال « أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ». فما زال يقولها حتى وددت أنى لم أسلم إلا يومئذ.
حرَّم اللهُ دَمَ المسلِمِ إلَّا بحَقِّه الَّذي وضَّحَه اللهُ ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا الحديثُ يُوضِّحُ مَدى حُرمةِ الدَّمِ المعصومِ عندَ اللهِ، فيخبرُ أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ رَضِيَ الله عَنهُما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرْسَلَهم في غَزْوَةٍ إلى الحُرَقَةِ، وهم قَومٌ مِن قَبِيلةِ جُهَيْنَةَ، وهي قبيلةٌ عَربيَّةٌ عَريقةٌ، تُعَدُّ أكبَرَ قبائِلِ قُضاعةَ عددًا، ومن أقدَمِهم ذِكرًا، تنتَشِرُ دِيارُهم ما بين الحِجازِ وتِهامةَ، وكان ذلك في رَمَضانَ سنة سَبعٍ أو ثمانٍ مِنَ الهِجرةِ، فهجموا عليهم صَباحًا قبْلَ أنْ يَشعُروا وهَزَموهم، ولحق أسامةُ بنُ زَيدٍ ورجُلٌ مِن الأنصار رجُلًا منهمْ، فلما اقتربا منه وكادا يقتلانِه، قال الحُرَقِيُّ-قِيل: اسمُه مِرْدَاس-: «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، فشَهِدَ بالتوحيدِ ودَخَل الإسلامَ، فكَفَّ عنه الأَنْصَارِيُّ ولم يقتُلْه، وطَعَنَه أُسامةُ رَضِيَ اللهُ عنه برُمْحِه حتَّى قَتَلَه، فلمَّا رجَعوا إلى المدينةِ، بلَغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما فعله أُسامةُ رَضِيَ اللهُ عنه، فأنكر عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَتْلَه للرَّجُلِ بعد أن شَهِد بالتوحيدِ؛ وذلك أنَّ شهادةَ التوحيدِ تَعصِمُ دَمَ صاحِبِها مِنَ القَتْلِ، فقال أسامةُ: «يا رسولَ الله، إنَّما كان مُتعَوِّذًا» أي: لم يكُنْ قاصِدًا بذلك الإيمانَ، بل كان غَرَضُه التَّحصُّنَ مِن القتْلِ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَقَتَلْتَه بعدَما قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ؟!» يكَرِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنكارَه والتشديدَ على فعْلَتِه، فأخبَرَ أُسَامَةُ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما زال يُكرِّرها عليه، حتَّى تَمَنَّى أنَّه لم يَكُنْ أسْلَمَ قبْلَ ذلك اليومِ؛ لأنَّ الإسلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَه، واستصغر ما سبق له قبل ذلك من عَمَلٍ صالحٍ في مقابَلةِ هذه الفعلةِ؛ لِمَا سَمِعَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الإنكارِ الشَّديدِ، وإنما أورد ذلك على سبيلِ المبالغة، وفي روايةِ مُسلِمٍ قال أُسامةُ رَضِيَ اللهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يا رَسولَ اللهِ، استَغفِرْ لي، قال: وكيف تصنَعُ بـ(لا إلهَ إلَّا اللهُ) إذا جاءت يومَ القيامةِ؟ قال: فجعل لا يزيدُه على أن يقولَ: كيف تصنَعُ بـ(لا إله إلَّا اللهُ) إذا جاءت يومَ القيامةِ»، وعدَمُ استغفارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له نوعٌ مِنَ التأنيبِ له، وتخويفٌ لغَيرِه من المُسلِمين، وإن كان أسامةُ هو حبيبَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبى أن يَستغفِرَ له
وفي الحَديثِ: أخْذُ النَّاسِ بظواهِرِهم، أمَّا ما في القلوبِ فمَوعِدُه يومُ القيامةِ
وفيه: عِظَمُ حقِّ كلمةِ التَّوْحِيدِ وأهلِها
وفيه: أخْذُ الإمامِ على يَدِ المُخطِئِ أيًّا كانت مكانتُه عنده
وفيه: أنَّ الإنسانَ المُؤمِنَ يجِبُ أن يحذَرَ مِن أن يَسفِكَ دَمَ إنسانٍ مُسلِمٍ يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ