باب فضائل خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - 5
بطاقات دعوية
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف استئذان خديجة (8) فارتاح لذلك فقال اللهم هالة بنت خويلد فغرت فقلت وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين (1) هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها (2). (م 7/ 134)
خَديجةُ بنتُ خُويلِدٍ أُمُّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، أوَّلُ مَن أسلَمَ مِنَ النِّساءِ، وأوَّلُ زَوْجاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت أحَبَّ نِسائِه إليه، ولم يَتزوَّجْ غَيرَها في حَياتِها حتَّى توُفِّيَت.
وفي هذا الحَديثِ تَرْوي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ هالةَ بنتَ خُوَيلِدٍ أُختَ خَديجةَ بنتِ خُوَيلِدٍ، اسْتأذَنَتْ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الدُّخولِ عليه، فعرَفَ صِفةَ اسْتِئذانِ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها؛ لشَبَهِ صَوتِها بصَوتِ أُختِها، فتَذكَّرَ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها بذلك، فارْتاعَ لذلك، أي: فَزِع، والمُرادُ أنَّه تغيَّرَ، فقال: اللَّهمَّ اجعَلْها هالةَ، قالت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: فغِرْتُ، فسَألْتُه: أيَّ شَيءٍ تَذكُرُ مِن عَجوزٍ مِن عَجائزِ قُرَيشٍ حَمراءِ «الشِّدقَينِ»؟! والشِّدقُ جانبُ الفَمِ، وتَقصِدُ: سُقوطَ الأسْنانِ مِن الكِبَرِ، فلم يَبْقَ بشِدْقَيْها بَياضٌ إلَّا حُمرةُ اللِّثاتِ، هلكَتْ فماتَت في الدَّهرِ والزَّمانِ الغابِرِ، وكانت قد ماتَت قبْلَ هِجْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ بثَلاثِ سِنينَ. وقدْ أبدَلَكَ اللهُ خَيرًا منها، أي: قد أبدَلَكَ اللهُ بكَبيرةِ السِّنِّ حَديثةَ السِّنِّ، تَقصِدُ نفْسَها.
وفي رِوايةٍ أُخْرى للبُخاريِّ أنَّ عائشةَ قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «كأنَّه لم يَكُنْ في الدُّنْيا امْرأةٌ إلَّا خَديجةُ، فيَقولُ: إنَّها كانت، وكانت، وكان لي منها ولَدٌ»، وفي رِوايةِ أحمَدَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لها: «ما أبْدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها؛ قدْ آمَنَت بي إذْ كَفَرَ بي النَّاسُ، وصَدَّقتْني إذْ كَذَّبني النَّاسُ، وَواستْني بمالِها إذْ حَرَمَني النَّاسُ، ورَزَقني اللهُ عزَّ وجلَّ وَلَدَها إذْ حَرَمَني أولادَ النِّساءِ».
وفي الحَديثِ: فَضلُ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها، الَّذي يَتجَلَّى في شدَّةِ مَحبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها.
وفيه: أنَّ الغَيْرةَ غَريزةٌ في النَّفْسِ، لا يُلامُ عليها الإنْسانُ إلَّا إذا زادَتْ عن حدِّها، أو أدَّتْ لمُخالَفةٍ شَرعيَّةٍ.
وفيه: دَلالةٌ على حُسنِ العَهدِ، وحِفظِ الوُدِّ، ورِعايةِ حُرمةِ الصَّاحبِ والمُعاشِرِ؛ حيًّا وميِّتًا.
وفيه: إكْرامُ مَعارفِ ذَوي القُرْبى بعْدَ وَفاتِهم.