باب فضل آية الكرسي
بطاقات دعوية
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قال قلت الله ورسوله أعلم قال يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قال قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال فضرب في صدري وقال ليهنك العلم أبا المنذر. (م 2/ 199)
القُرآنُ العَظيمُ هو حَبْلُ اللهِ المَتينُ، وصِرَاطُه المُسْتَقيمُ، وقِراءتُه فيها الخَيرُ والبَرَكةُ، وفيهِ طُمَأنينَةُ النَّفسِ، وعِظَمُ الأَجْرِ، وجَعَل اللهُ لبعضِ سُوَرِه وآياتِه فَضْلًا خاصًّا
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَأله ذاتَ مرَّةٍ، فقال له: «يا أبا المُنذِرِ» وهيَ كُنيةُ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه، «أتَدْري أيُّ آيةٍ مِن كِتابِ اللهِ مَعكَ أعظَمُ؟»، أي: في الأجرِ والنَّفعِ لصاحبِها في الدُّنيا والآخِرةِ، قالَ أُبيٌّ رَضِي اللهُ عنه: «قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ» وهذا مِن حُسنِ أدبِ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وقدْ قيل: كان أُبَيٌّ يَعلَمُ أيُّ آيةٍ أعظَمُ حِينَ سَألَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن ذلك، ولكنْ لم يُجِبْهُ؛ تَعظيمًا وتَواضُعًا له صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وتأدُّبًا معه؛ فإنَّه لو أجابَه أوَّلَ ما سَأله لكانَ إظهارًا لعِلمِه. ويَحتمِلُ أنَّه سكَت عن الجوابِ؛ لتَوقُّعِ أنْ يُخبِرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ آيةً أُخرى أعظَمُ منها، أو يُخبِرَه بفائدةٍ ما، فلمَّا كرَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم السُّؤالَ عَلِم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُطالِبُه بالجَوابِ، ويُريدُ امتحانَ حِفظِه ودِرايتِه، فأجابه بأنَّ أفضَلَ آيةٍ -على حدِّ عِلمِه- هي قولُ اللهِ تعالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، وتُسمَّى آيةَ الكُرسيِّ، فأقَرَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على إجابتِه وأنَّها صَحيحةٌ، وضرَبَ بيَدِه الشَّريفةِ على صدْرِ أُبيٍّ رَضِي اللهُ عنه، وهذا الفِعلُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن التَّلطُّفِ؛ لرِضاهُ بهذه الإجابةِ، ومُوافقَتِه عليها، مع إعجابِه بالمُجيبِ، وقالَ له: «واللهِ لِيَهْنِكَ العِلمُ أبا المُنذرِ»، أيْ: لِيَكُنِ العلمُ هَنيئًا لك تَهنَأُ به، والقَصدُ الدُّعاءُ لَه بتَيسيرِ العِلمِ والرُّسوخِ فيهِ
وكانت آيةُ الكُرسيِّ أعظَمَ آيةٍ في القُرآنِ؛ لأنَّها جَمَعَت مِن أُصولِ الأسماءِ والصِّفاتِ الإلهيَّةِ ما ليْس مَجموعًا في آيةٍ أُخرى سِواها؛ ففيها وصَف اللهُ تعالَى نفْسَه بأنَّه الإلهُ المعبودُ الذي لا مَعبودَ بحقٍّ غيرُه؛ فهو وحْدَه المُستحِقُّ للعبادةِ حُبًّا وتَعظيمًا له تعالى؛ لكَمالِ صِفاتِه، وله سُبحانَه الحياةُ الكاملةُ الَّتي لم يَسْبِقْها عَدَمٌ، ولا يَلحَقُها زوالٌ، والمُستلزِمةُ لجميعِ صِفاتِ الكمالِ، وهو القائِمُ بنفْسِه فلا يَحتاجُ لأحدٍ، والقائمُ بأُمورِ خَلْقِه مِن الرِّزقِ وغَيرِه، فجَميعُ المخلوقاتِ مُفتَقِرةٌ إليه، ولا قِوامَ لها بدونِه، وهذه القَيُّوميَّةُ مُستلزِمةٌ لجميعِ أفعالِ الكَمالِ، ومِن كَمالِ حَياتِه وقَيوميَّتِه تعالَى: أنَّه لا يَعترِيه نُعاسٌ، ولا يَغلِبُه نومٌ، وهو وحْدَه المالِكُ لجَميعِ ما في الكَونِ، ولا أحدَ يَتجاسَرُ على الشَّفاعةِ عندَه إلَّا بعْدَ أنْ يَأذَنَ له، وهو الذي يَعلَمُ جميعَ أُمورِ خَلْقِه؛ ماضيَها وحاضِرَها ومُستَقبَلَها، وكُلُّ مَن سِوَى اللهِ تعالَى لا يَعلَمونَ مِن عِلْمِ اللهِ تعالَى شيئًا البتَّةَ إلَّا ما علَّمَهم إيَّاه بمَشيئتِه. وقد أحاط كُرسيُّه -الَّذي هو مَوضِعُ قَدَميهِ سُبحانَه- بالسَّمواتِ والأرضِ، رَغْمَ اتِّساعِهما وعَظَمتِهما، ولا يُثقِلُه ولا يَشُقُّ عليه حِفْظهُما، بلْ هو أمرٌ سَهْلٌ ويَسيرٌ عليه سُبحانَه، وهو ذو العُلوِّ المُطلَقِ على جَميعِ مَخلوقاتِه؛ فهو علِيٌّ بذاتِه فَوقَ عَرشِه، علِيٌّ على خَلْقِه بقَهرِه، وكَمالِ صِفاتِه، وهو ذو العَظَمةِ المُطلَقةِ في ذاتِه وصِفاتِه وسُلطانِه، وكلُّ ما سِواه حَقيرٌ بيْن يَدَيه، صَغيرٌ بالنِّسبةِ إليه، فلا شَيءَ أعظَمُ منه سُبحانَه وتعالَى، وتبارَك وتقدَّسَ
وفي الحَديثِ: مَنقُبَةٌ عَظيمَةٌ لأُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه
وفيه: مَدحُ الإنسانِ في وَجهِهِ إذا كان فيه مَصلحةٌ، ولم يُخَفْ عليه إعجابٌ ونحْوُه
وَفيهِ: تَبجيلُ العالِمِ فُضلاءَ أصحابِهِ