باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات 12
بطاقات دعوية
![باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات 12](https://ghondur.com/a/uploads/images/2020/08/image_750x_5f4cd43d905d5.jpg)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : إنا كنا يوم الخندق نحفر ، فعرضت كدية شديدة ، فجاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : هذه كدية عرضت في الخندق . فقال : (( أنا نازل )) ثم قام ، وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المعول ، فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم ، فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي إلى البيت ، فقلت لامرأتي : رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ما في ذلك صبر فعندك شيء ؟ فقالت : عندي شعير وعناق ، فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والعجين قد انكسر ، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج ، فقلت : طعيم لي ، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان ، قال : (( كم هو )) ؟ فذكرت له ، فقال : (( كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة ، ولا الخبز من التنورحتى آتي )) فقال : (( قوموا )) ، فقام المهاجرون والأنصار ، فدخلت عليها فقلت : ويحك قد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار ومن معهم ! قالت : هل سألك ؟ قلت : نعم ، قال : (( ادخلوا ولا تضاغطوا )) فجعل يكسر الخبز ، ويجعل عليه اللحم ، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع ، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا ، وبقي منه ، فقال : (( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة )) متفق عليه .
وفي رواية قال جابر : لما حفر الخندق رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خمصا ، فانكفأت إلى امرأتي ، فقلت : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ، فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن فذبحتها ، وطحنت الشعير ، ففرغت إلى فراغي ، وقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ، فجئته فساررته ، فقلت : يا رسول الله ، ذبحنا بهيمة لنا ، وطحنت صاعا من شعير ، فتعال أنت ونفر معك ، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : (( يا أهل الخندق : إن جابرا قد صنع سؤرا فحيهلا بكم )) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء )) فجئت ، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس ، حتى جئت امرأتي ، فقالت : بك وبك ! فقلت : قد فعلت الذي قلت . فأخرجت عجينا ، فبسق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: (( ادعي خابزة فلتخبز معك ، واقدحي من برمتكم ، ولا تنزلوها )) وهم ألف ، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو .
قوله : (( عرضت كدية )) بضم الكاف وإسكان الدال وبالياء المثناة تحت ، وهي قطعة غليظة صلبة من الأرض لا يعمل فيها الفأس ، و(( الكثيب )) أصله تل الرمل ، والمراد هنا : صارت ترابا ناعما ، وهو معنى (( أهيل )) . و(( الأثافي )) : الأحجار التي يكون عليها القدر ، و(( تضاغطوا )) : تزاحموا . و(( المجاعة )) : الجوع ، وهو بفتح الميم . و(( الخمص )) : بفتح الخاء المعجمة والميم : الجوع ، و(( انكفأت )) : انقلبت ورجعت . و(( البهيمة )) بضم الباء ، تصغير بهمة وهي ، العناق ، بفتح العين . و(( الداجن )) : هي التي ألفت البيت : و(( السؤر )) الطعام الذي يدعى الناس إليه ؛ وهو بالفارسية . و(( حيهلا )) أي تعالوا . وقولها (( بك وبك )) أي خاصمته وسبته ، لأنها اعتقدت أن الذي عندها لا يكفيهم ، فاستحيت وخفي عليها ما أكرم الله سبحانه وتعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من هذه المعجزة الظاهرة والآية الباهرة . (( بسق )) أي : بصق ؛ ويقال أيضا : بزق ، ثلاث لغات . و(( عمد )) بفتح الميم، أي : قصد . و(( اقدحي )) أي : اغرفي ؛ والمقدحة : المغرفة . و(( تغط )) أي : لغليانها صوت ، والله أعلم .