باب فضل الصلاة في جماعة 3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا حميد
عن أنس بن مالك، قال: أرادت بنو سلمة أن يتحولوا من ديارهم إلى قرب المسجد، فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعروا المدينة، فقال: "يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم" فأقاموا (2).
المدينةُ النَّبويَّةُ المنوَّرةُ مِن خَيرِ بِقاعِ الأرضِ وأشْرَفِها وأطْهَرِها، وقدْ أحبَّها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعَمِلَ على عِمارتِها، وتَحصينِها.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا أرادَ بَنو سَلِمَةَ -وهم قومٌ مِن الأنصارِ- أنْ يَترُكوا الأماكنَ التي يَسْكُنون فيها على أطرافِ المدينةِ وأنْ يَنتقِلوا إلى قُربِ المسجِدِ، كَرِهَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَخْلُوَ أجزاءٌ مِن المدينةِ، وقال لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا بَنِي سَلِمةَ، ألَا تَحتَسِبونَ آثارَكُم؟»، يعني: ألَا تَعُدُّون الأجرَ في خُطاكم ومَشْيِكُم إلى المسجِدِ، فأخبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما لهم مِن الأجرِ في الخُطَا إلى المسجِدِ مِن المكانِ البعيد، وحثَّهُم على البَقاءِ؛ طلَبًا له، فكأنَّه يقولُ لهم: الْزَموا دِيارَكم؛ فإنَّكم إذا لَزِمْتُموها كَثُرَت حَسَناتُكم بسَببِ كَثرةِ خُطاكم إلى المسجِدِ، فحَثَّهم على لُزومِ الدِّيارِ، واحتِسابِ الآثارِ، واستِشعارِ النِّيةِ في سَعيِهم، فلمَّا سَمِعوا كَلامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَقُوا في أماكِنِهم ولم يَترُكوها.
وقدْ أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببَقاءِ بَني سَلِمةَ في أماكِنِهم: أنْ تَبْقى جِهاتُ المدينةِ عامِرةً بسَاكِنِيها؛ لِيَعظُمَ المسلِمونَ في أعيُنِ المنافقينَ والمشرِكينَ إرهابًا لهم وغِلظةً عليهم، ولم يُصرِّحْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك لِبَني سَلِمةَ، واكْتَفَى بأنْ ذَكَرَ لهم المصلحةَ الواضحةَ الخاصَّةَ بهم؛ لِيكونَ ذلك أدْعَى لهم على المُوافَقةِ، وأبعَثَ على نَشاطِهم إلى البَقاءِ في دِيارِهم.
وفي الحديثِ: فضْلُ عِمارةِ المدينةِ، والتَّوسُّعِ والانتِشارِ فيها.
وفيه: التَّرغيبُ في المشْيِ إلى المساجِدِ.