باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة
بطاقات دعوية
حديث ابن عباس قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: إنكم محشورون حفاة عراة غرلا (كما بدأنا أول خلق نعيده) الآية وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) إلى قوله (الحكيم) قال: فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم
يوم القيامة يوم عظيم وشديد، فيه يقوم الناس بين يدي رب العالمين للحساب، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما في هذا اليوم؛ ليعمل الناس له، ويعدوا له عدته
وفي هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا من مشاهد الآخرة، فأخبر أن الناس سيجمعون عند الخروج من القبور بعد بعثهم وإحيائهم من موتهم، حفاة بلا خف ولا نعل، عراة بلا ثياب، «غرلا» غير مختونين. ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104]، أي: نوجده بعينه مرة أخرى بعد إعدامه مثل إيجادنا له أول مرة، دون أن يمسنا تعب؛ لأن قدرتنا لا يعجزها شيء، وفي هذا استدلال على إمكانية البعث والإعادة بعد الفناء بالقياس على البدء من العدم أول مرة؛ فإن من أوجد من العدم قادر على الإعادة ثانية. وقوله: {وعدا علينا إنا كنا فاعلين} يعني: الإعادة والبعث، والمعنى: هذه الإعادة والبعث وعدنا به وعدا كائنا علينا باختيارنا وإرادتنا، محققين لهذا الوعد، وقادرين عليه
وذكر صلى الله عليه وسلم أن أول من يكسى من الأنبياء يوم القيامة إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا يلزم من تخصيص نبي الله إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى، أفضليته على نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فالله عز وجل قد يخص أحدا من الأنبياء أو غيرهم بشيء يتميز به عن غيره، ولا يوجب ذلك الفضل المطلق
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يؤخذ برجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات اليمين -وهي جهة الجنة-، وذات الشمال -وهي جهة النار-، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: هؤلاء أصحابي! فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بالكفر منذ فارقتهم. ولا يقدح ذلك في الصحابة المشهورين؛ فإن أصحابه صلى الله عليه وسلم وإن شاع استعماله عرفا فيمن لازمه من المهاجرين والأنصار، شاع استعماله أيضا في كل من تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة.
فيقول صلى الله عليه وسلم كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه السلام: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم}، أي: كنت رقيبا على قومي، مشاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان، وداعيا لهم إلى إخلاص العبادات لك، والعمل بموجب أمرك مدة بقائي فيهم. {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}، أي: فلما قبضتني بالرفع إلى السماء حيا، كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم، المراقب لأحوالهم، العليم بتصرفاتهم، الخبير بمن أحسن منهم ومن أساء، {وأنت على كل شيء شهيد} مطلع عليه مراقب له، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك. {إن تعذبهم فإنهم عبادك}، أي: إن تعذب -يا إلهي- قومي، فإنك تعذب عبادك الذين خلقتهم بقدرتك، والذين تملكهم ملكا تاما، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل في ملكه، {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، أي: وإن تغفر لهم، وتستر سيئاتهم، وتصفح عنهم؛ فذلك إليك وحدك؛ لأن صفحك عمن تشاء من عبادك هو صفح القوى القاهر الغالب الذي لا يعجزه شيء، والذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة
وفي الحديث: إخباره صلى الله عليه وسلم عن بعض أمور الغيب
وفيه: فضل إبراهيم صلى الله عليه وسلم
وفيه: فضل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم
وفيه: التسليم المطلق لله تعالى يوم القيامة
وفيه: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته