باب فى الحد يشفع فيه
حدثنا جعفر بن مسافر ومحمد بن سليمان الأنبارى قالا أخبرنا ابن أبى فديك عن عبد الملك بن زيد - نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - عن محمد بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا الحدود ».
العَفْوُ عنِ الزَّلَّاتِ التي تَصدُرُ مِنَ الناسِ من مَحاسِنِ الشَّريعَةِ الإسْلاميَّةِ، لا سيَّما إذا كان مَنْ صَدَرَتْ منه مَعْروفًا بين الناسِ بالفَضْلِ والخَيْرِ، فمِثْلُ هذا يكونُ السَّتْرُ في حَقِّهِ أوْلى؛ حتى لا يذْهَبَ خيْرُهُم في الناسِ، وحتى لا تَنْعدِمَ قُدْوتُهُم بين الناسِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَقيلوا" أَمْرٌ من الإقالَةِ، أي: اعْفُوا عن "ذَوِي الهَيْئاتِ"، أي: أصْحابَ المُرُوءاتِ والخِصالِ الحَميدَةِ، ممَّنْ لم يَظهَرْ منهم رِيبَةٌ، وقيل: ذَوُو الوُجوهِ بين الناسِ، ممَّنْ ليس مَعْروفًا بالفَسادِ "عَثَراتِهِمْ"، أي: زَلَّاتِهِم، وما يَصدُرُ عنهم من الخطايا، وهذا في سَتْرِ مَعْصيةٍ وَقَعَتْ وانْقَضَتْ، "إلَّا الحُدودَ"، أي: إلَّا أنْ يكونَ حَدًّا من حُدودِ اللهِ، فإنَّه يتعيَّنُ استيفاؤُهُ من الشَّريفِ، كما يتعيَّنُ أخْذُهُ من الوَضيعِ، فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "لو أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها" مُتَّفقٌ عليه، وقال: "إنَّ بني إسْرائيلَ كان إذا سَرَقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكوهُ، وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعيفُ قَطَعوهُ" مُتَّفقٌ عليه. وهذا بابٌ عظيمٌ من أبوابِ مَحاسِنِ هذه الشَّريعَةِ الكامِلَةِ؛ فإنَّ الإنْسانَ الذي يُعلَمُ من غالِبِ أحْوالِهِ الاسْتِقامَةُ والخَيْرُ إذا زَلَّ ما لم يكن حَدًّا من حُدودِ اللهِ تَغاضُوا عنه، ولا تَأْخُذوهُ به؛ لأنَّ الغالِبَ عليه الخيْرُ
وفي الحديثِ: مَشْروعيَّةُ تَرْكِ التَّعْزيرِ، وأنَّه ليس كالحَدِّ، وإلَّا لاسْتَوى فيه ذو الهَيئةِ وغيرُهُ