باب فى الخرص
حدثنا ابن أبى خلف حدثنا محمد بن سابق عن إبراهيم بن طهمان عن أبى الزبير عن جابر أنه قال أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كانوا وجعلها بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم.
عرف اليهود منذ القدم بأنهم ليس لهم عهد، وبمماطلتهم في الحق، وجور بعضهم على حق بعض، وعلى حقوق غيرهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أبصر الناس بهم وبمكرهم
وفي هذا الحديث يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، واشترط أن له الأرض"، أي: زروعها وثمارها، وخيبر: قرية على طريق الشام تبعد عن المدينة 264 كم تقريبا، وكان فتحها سنة سبع من الهجرة، "وكل صفراء وبيضاء"، يعني الذهب والفضة
"قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم"، أي: نحن أعلم بالزراعة والفلاحة، "فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة، ولنا نصف"، أي: أعط لنا الأرض نزرعها على أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم نصف الثمار، ولليهود نصفها، فوافقهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، "فلما كان حين يصرم النخل"، أي: فلما حان وقت قطاف النخل وجني ثماره، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، "فحزر عليهم النخل"، أي: قدره وصنفه، وقوله: "وهو الذي يسميه أهل المدينة الخرص"، أي: الحزر، وكان أهل المدينة يطلقون عليه الخرص
فقال لهم عبد الله بن رواحة حين قدر الثمار وصنفها: "في ذه" أي: في هذه النخلات، "كذا وكذا"، أي: موزعا للثمار التي جمعت، فقالت اليهود مماطلين لقسمة عبد الله بن رواحة: "أكثرت علينا يا ابن رواحة"، أي: أكثرت في العدد والتقدير، وهو أقل من ذلك، "فقال: فأنا ألي حزر النخل"، أي: ردوا علي الثمار كلها، وأعطيكم نصف الذي تحزرونه أنتم لما تقولون: إن الحزر أقل من ذلك، فلما علموا أنهم يماطلون، وأن ابن رواحة غلبهم في مكرهم، وأنهم سيخسرون بما قدروه هم، قالوا له: "هذا الحق"، أي: قسمتك وتقديرك الأول الذي قدرت، هذا هو العدل الذي "تقوم به السماء والأرض!"، فرضوا بما قاله ابن رواحة، وبتقديره وقسمته