باب فى العفو والتجاوز فى الأمر
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها.
كان النبي صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما، وكان يحب التيسير على المسلمين في كل الأمور المحتملة لذلك، ومع ذلك فإنه كان وقافا عند حدود الله ومحارمه، ويغضب لله أشد الغضب حتى يزال الحرام، فكان صلى الله عليه وسلم يوازن بين ما فيه مصلحة للعباد وبين ما يكون حقا لله تعالى
وفي هذا الحديث تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما ما يميل عند الاختيار إلى السهل اليسير، إلا أن يكون في ذلك وقوع في الحرمات أو المعصية، فإذا رأى أن في التيسير دخولا في الإثم فإنه يأخذ بالعزائم والشدة
وكان من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسامح في حق نفسه؛ فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينتقم ويبطش بأحد إلا إذا انتهكت حرمات الله بالتعدي عليها وارتكاب المعاصي، فحينئذ يكون أشد الناس انتقاما للأخذ بحق الله
وفي هذا إرشاد المسلمين إلى أن يكون سبيل حياتهم على التيسير والمسامحة والبعد عن التشدد المبالغ فيه، مع الوقوف عند حرمات الله وحدوده؛ فلا ترتكب المعاصي والذنوب، ولا ينتهك حق الله في المجتمع المسلم، فإذا حدث ذلك وجب على المسلم الغضب لله مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع مراعاة وضع الأمور في نصابها، وأن يكون الغضب في محله ولا يتجاوزه إلى أكثر منه؛ حتى لا يفسد من حيث أراد الإصلاح