باب فى العفو والتجاوز فى الأمر
حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة عليها السلام قالت ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خادما ولا امرأة قط.
كان النبي صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما، وكان يحب التيسير على المسلمين في كل الأمور المحتملة لذلك، ومع ذلك فإنه كان وقافا عند حدود الله ومحارمه، ويغضب لله أشد الغضب حتى يزال الحرام، فكان صلى الله عليه وسلم يوازن بين ما فيه مصلحة للعباد وبين ما يكون حقا لله تعالى
وفي هذا الحديث تخبر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، أي: لم يضرب آدميا؛ لأنه ربما ضرب الدابة التي يركبها، وهذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أنه ما ضرب أحدا بيديه، وخصت المرأة والخادم بالذكر؛ اهتماما بشأنهما، ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه. «إلا أن يجاهد في سبيل الله» فإن ضربه وبطشه بيده لم يكن إلا في الجهاد في سبيل الله
ثم أخبرت رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يتسامح في حق نفسه؛ فيعفو ويصفح إذا أوذي من أحد، وهذا من كرمه صلى الله عليه وسلم؛ أنه لا يضرب أحدا على شيء من حقوقه الخاصة به؛ لأن له أن يعفو عن حقه، وله أن يأخذ حقه، أما عند الوقوع في حرمات الله؛ فإن تسامحه وصفحه يتحول غضبا وانتقاما لله عز وجل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على ما يغضب الله سبحانه وتعالى
وفي هذا إرشاد المسلمين إلى أن يكون سبيل حياتهم على التيسير والمسامحة والبعد عن التشدد المبالغ فيه، مع الوقوف عند حرمات الله وحدوده؛ فلا ترتكب المعاصي والذنوب، ولا ينتهك حق الله في المجتمع المسلم، فإذا حدث ذلك وجب على المسلم الغضب لله مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع مراعاة وضع الأمور في نصابها، وأن يكون الغضب في محله ولا يتجاوزه إلى أكثر منه؛ حتى لا يفسد من حيث أراد الإصلاح
وفي الحديث: بيان سماحة النبي صلى الله عليه وسلم، وتسامحه في حق نفسه.
وفيه: بيان أن حدود الله وحرماته واجبة الحفظ والصيانة على كل مسلم.
وفيه: بيان شدة النبي صلى الله عليه وسلم في حق الله وشدة انتقامه لله.