باب فى ليلة القدر

باب فى ليلة القدر

 حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمى حدثنا أبى حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهرى عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال كنت فى مجلس بنى سلمة وأنا أصغرهم فقالوا من يسأل لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان. فخرجت فوافيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة المغرب ثم قمت بباب بيته فمر بى فقال « ادخل ». فدخلت فأتى بعشائه فرآنى أكف عنه من قلته فلما فرغ قال « ناولنى نعلى ». فقام وقمت معه فقال « كأن لك حاجة ». قلت أجل أرسلنى إليك رهط من بنى سلمة يسألونك عن ليلة القدر فقال « كم الليلة ». فقلت اثنتان وعشرون قال « هى الليلة ». ثم رجع فقال « أو القابلة ». يريد ليلة ثلاث وعشرين.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس خوفا وخشية من الله، ومع تقواه وخشيته لم يكن يشدد على نفسه ولا أمته في الأمور المباحة التي ليست محرمة، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أطعمة يفضلها ويحبها
وفي هذا الحديث يروي أبو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا له قصة أنه طبخ للنبي صلى الله عليه وسلم شاة من الضأن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ناولني الذراع" أعطني ذراع الشاة، وكانت تعجبه؛ لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها، وبعدها عن مواضع الأذى، "فناولته"، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما يطلب، "ثم قال: ناولني الذراع" الثانية، وفي رواية أبي رافع رضي الله عنه عند أحمد: "«ناولني الذراع يا أبا رافع»، فناولته الذراع، ثم قال: «ناولني الذراع الآخر»، فناولته الذراع الآخر، ثم قال: «ناولني الذراع الآخر»، فقال: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان"، وهنا قال أبو عبيد رضي الله عنه: "فقلت: يا رسول الله، وكم للشاة من ذراع؟" والظاهر: أنه استفهام أو تعجب لا إنكار؛ والمعنى وكم للشاة من ذراع، حتى أناولك ثالثا "فقال: والذي نفسي بيده"، وهذا قسم من النبي صلى الله عليه وسلم بصفة الله الذي بيده قبض الأنفس، "لو سكت لناولتني الذراع ما دعوت"، أي: إنك لو سكت عما قلت من الاستبعاد، وامتثلت أمري في مناولة المزيد من الأذرع لوجدت في القدر ما لا نهاية له من الأذرع ما دمت ساكتا، فلما نطقت انقطعت، وهذا معجزة وكرامة له صلى الله عليه وسلم؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم مستمدا للبركة والعطاء من الله، والبركة هي: ثبوت الخير الإلهي في الشىء، وكان أبو عبيد ناظرا إلى مقتضى العادة والمعرفة بأن للشاة ذراعين فقط، فخرج من شؤم المعارضة انتزاع البركة
وفي الحديث: بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من طلب البركة من الله، وأنه واهبها
وفيه: أن معارضة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يعيه المسلم تنزع البركة؛ فعلى المسلم اتباع السنة الصحيحة حتى فيما لا تظهر له علته