باب فى نفقة المبتوتة
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا سلمة بن كهيل عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبى -صلى الله عليه وسلم- نفقة ولا سكنى.
( طلقها البتة ) : وفي بعض الروايات الآتية أنه طلقها ثلاثا ، وفي بعضها طلقها آخر ثلاث تطليقات ، وفي بعضها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها
والجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة ، فمن روى أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات أو طلقها طلقة كانت بقيت لها فهو ظاهر ، ومن روى البتة فمراده طلقها طلاقا صارت به مبتوتة بالثلاث ، ومن روى ثلاثا أراد تمام الثلاث . كذا أفاد النووي ( وهو ) : أي أبو عمرو ( فأرسل إليها وكيله بشعير ) : أي للنفقة ( فتسخطته ) : من باب التفعل أي استقلته ، يقال سخط عطاءه أي استقله ، ولم يرض به
وفي رواية مسلم فسخطته . قال القاري : ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال ، والضمير يرجع إلى الوكيل أي غضبت على الوكيل بإرساله الشعير قليلا أو كثيرا ( والله ما لك علينا من شيء ) : أي لأنك بائنة أو من شيء غير الشعير ( ليس لك عليه نفقة ) : أي ولا سكنى كما في بعض الروايات الآتية ( إن تلك ) : بكسر الكاف أي هي ( يغشاها ) : أي يدخل عليها ( تضعين ثيابك ) : أي لا تخافين من نظر رجل إليك . قال النووي : أمرها بالانتقال إلى بيت ابن أم مكتوم ; لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك حتى إذا وضعت ثيابها للتبرز نظروا إليها
وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهو ضعيف ، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية ، ولحديث أم سلمة أفعمياوان أنتما وأيضا ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه بل فيه أنها آمنة عنده من نظر غيره ، وهي مأمورة بغض بصرها عنه انتهى
( فإذا حللت ) : أي خرجت من العدة ( فآذنيني ) : بالمد وكسر الذال أي فأعلميني ( وأبا جهم ) : بفتح فسكون هو عامر بن حذيفة العدوي القرشي ، وهو مشهور بكنيته ، وهو الذي طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنبجانيته في الصلاة . قال النووي : وهو غير أبي جهم المذكور في التيمم ، وفي المرور بين يدي المصلي ( فلا يضع عصاه عن عاتقه ) : بكسر الفوقية أي منكبه ، وهو كناية عن كثرة الأسفار أو عن كثرة الضرب وهو الأصح ، بدليل الرواية الأخرى أنه ضراب للنساء ، ذكره النووي ، وقال : فيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة ، ولا يكون هذا في الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة ( فصعلوك ) : بضم الصاد أي فقير ( لا مال له ) : صفة كاشفة ( انكحي ) : بهمز وصل وكسر الكاف أي تزوجي ( فكرهته ) : أي ابتداء لكونه مولى أسود جدا
وإنما أشار - صلى الله عليه وسلم - بنكاح أسامة لما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك ( ثم قال انكحي ) : إنما كرر عليها الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك ، ولذا قالت فجعل الله تعالى إلخ ( واغتبطت به ) : بفتح التاء والباء أي صرت ذات غبطة بحيث اغتبطتني النساء لحظ كان لي منه قاله القاري ، وقال النووي : قال أهل اللغة الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه ، وليس هو الحسد ، تقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطا وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس انتهى
وفي الحديث حجة لمن قال إن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى . قال النووي : اختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل [ أي غير الحامل ] هل لها النفقة والسكنى أم لا ، فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة وآخرون لها السكنى والنفقة . وقال ابن عباس وأحمد : لا سكنى لها ولا نفقة . وقال مالك والشافعي وآخرون : يجب لها السكنى ولا نفقة لها . واحتج من أوجبهما جميعا بقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فهذا أمر بالسكنى . وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه . وقد قال عمر : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بقول امرأة جهلت أو نسيت
قال العلماء الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات السكنى . قال الدارقطني : قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات . واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس ، واحتج من أوجب السكنى دون النفقة لوجوب السكنى بظاهر قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم ولأن وجوب النفقة بحديث فاطمة مع ظاهر قول الله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفقن عليهن . وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط النفقة بما قاله سعيد بن المسيب وغيره أنها كانت امرأة لسنة واستطالت على أحمائها فأمرها بالانتقال فتكون عند ابن أم مكتوم . وقيل : لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها أخاف أن يقتحم علي ، ولا يمكن شيء من هذا التأويل في سقوط نفقتها والله أعلم
وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة . وأما الرجعية فتجبان لها بالإجماع
وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع . والأصح عندنا وجوب السكنى لها ، فلو كانت حاملا فالمشهور أنه لا نفقة كما لو كانت حائلا . وقال بعض أصحابنا : تجب وهو غلط والله أعلم
قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي . ( أبا حفص بن المغيرة ) : وقد تقدم في الرواية الأولى أن اسم زوجها أبو عمرو بن حفص . قال النووي : هكذا قاله الجمهور أنه أبو عمرو بن حفص ، وقيل أبو حفص بن عمرو ، وقيل أبو حفص بن المغيرة ( فيه ) : أي في الحديث ( وحديث مالك ) : أي المذكور أولا . ( وخبر خالد بن الوليد ) : بالنصب عطف على الحديث أي وساق الحديث مع ذكر خبر خالد بن الوليد ، وهو إتيانه مع نفر من بني مخزوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان في الرواية المتقدمة ( أن لا تسبقيني بنفسك ) : هو من التعريض بالخطبة ، وهو جائز في عدة الوفاة ، وكذا في عدة البائن بالثلاث وفيه قول ضعيف في عدة البائن ، والصواب الأول لهذا الحديث . ( ولا تفوتيني بنفسك ) : تعريض بالخطبة ( قال أبو داود وكذلك ) : أي بلفظ أن زوجها طلقها ثلاثا ( رواه الشعبي ) : رواية الشعبي أخرجها المؤلف ( والبهي ) : روايته أخرجها مسلم ( وعطاء عن عبد الرحمن بن عاصم ) : رواية عطاء عن عبد الرحمن بن عاصم عن فاطمة بنت قيس ، أخرجها النسائي ( وأبو بكر بن أبي الجهم ) : روايته أخرجها مسلم ( كلهم ) : أي الشعبي والبهي وعبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن أبي الجهم