باب في التوكل على الله2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعلك ترزق به»: هذا حديث حسن صحيح
طلَبُ العِلمِ، وكَفالةُ طالبِه مِن أسبابِ التَّوسِعةِ في الرِّزْقِ للشَّخصِ؛ فمَن سَعى وعَمِل واكتَسَب وتكَفَّل بطالبِ العلمِ، فلعلَّ اللهَ أن يُكافِئَه على ذلك، ويُوسِّعَ عليه في رِزقِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه: كان أخَوانِ على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فكان أحَدُهما"، أي: أحَدُ الأخَوَين، "يأتي النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: يَحضُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ويُلازِمُه ويَسمَعُ أحاديثَه ويتَعلَّمُ مِنه أمورَ الدِّينِ، "والآخَرُ يَحتَرِفُ"، أي: وكان الأخُ الآخَرُ يَعمَلُ ويتَكسَّبُ، ويَحترِفُ، أي: يَعمَلُ في حِرْفةٍ أو صَنعةٍ، وكان هذا العامِلُ المتكسِّبُ يتَحمَّلُ مَعيشةَ أخيه الآخَرِ ويوفِّرُ له الطَّعامَ والشَّرابَ، "فشَكا المحترِفُ أخاه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فجاء الأخُ الَّذي يَعمَلُ ويتَكسَّبُ مِن حِرفتِه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وشَكا إليه أخاه أنَّه لا يُساعِدُه في حِرفَتِه ولا يَخرُجُ يتَكسَّبُ معه أسبابَ المعيشةِ والرِّزقِ، "فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الأخِ الشَّاكي: "لعلَّك تُرزَقُ به"، أي: لعلَّ اللهَ جعَله سببًا في أن يَرزُقَك؛ لأنَّك تَكلَّفتَ عِبْءَ مَعيشتِه وطَعامِه وشَرابِه، فربَّما كان هو السَّببَ في رِزقِك ومَعيشَتِك، فلا تَمنُنْ عليه بعَمَلِك؛ ولا يَعني هذا الدَّعوةَ إلى التَّكاسُلِ والخُمولِ والتَّواكلِ، ولكنَّه تَعريفٌ بفَضلِ اللهِ على الخَلقِ كلِّهم، وبيانٌ أنَّه هو الرَّزَّاقُ وأنَّه هو الكافلُ لِمَن شاء بمَن شاء، فلا يَمنُنْ غنيٌّ على فقيرٍ بعَطاءٍ، ولا عائلٌ على مُعيلٍ بكَفالتِه، وقد وردَتْ نصوصٌ كثيرةٌ في الحثِّ على العمَلِ وطلَبِ التَّكسُّبِ وعدَمِ التَّواكُلِ، ومُراعاةِ حَقِّ اللهِ في الطَّاعةِ وحقِّ النَّفسِ بالتَّعفُّفِ وعدَمِ سُؤالِ النَّاسِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّكافُلِ بينَ النَّاسِ وتَحمُّلِ الإخوَةِ بعضِهم بعضًا.