‌‌باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك

حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا علي بن عبد الحميد الكوفي قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كنا نتمنى أن يبتدئ الأعرابي العاقل فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فبينا نحن كذلك، إذ أتاه أعرابي، فجثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إن رسولك أتانا فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم»، قال: فبالذي رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم»، قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا صوم شهر في السنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق». قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا في أموالنا الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق»، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا الحج إلى البيت من استطاع إليه سبيلا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم». فقال: والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئا ولا أجاوزهن، ثم وثب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن صدق الأعرابي دخل الجنة»،: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير هذا الوجه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم»، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: " قال بعض أهل الحديث: فقه هذا الحديث، أن القراءة على العالم والعرض عليه جائز مثل السماع، واحتج بأن الأعرابي عرض على النبي صلى الله عليه وسلم فأقر به النبي صلى الله عليه وسلم
‌‌

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثرَ الناسِ تواضعًا، وكان الناسُ يَأتون إلى فيَسألونَه عن شَرائعِ الدِّينِ، فيُعلِّمُهم ويُجِيبُهم بما يُناسِبُ أحوالَهم؛ حتى يكونَ الأمرُ واضحًا في عُقولِهم.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ضِمامَ بنَ ثعلبةَ رَضيَ اللهُ عنه -وكان سَيِّدَ قَومِه بني سَعدِ بنِ بكرٍ- جاء إلى المدينةِ لمُقابَلةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَسأَلَه عن أركانِ الإسلامِ؛ ليَكونَ مُعلِّمًا لقَومِه بعْدَ رُجوعِه، فدخَلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه وهم في المسجدِ، وكان ضِمامٌ على جمَلٍ، فأناخَهُ في المسجِدِ، وجعَلَه يَبرُكُ على الأرضِ، ثمَّ رَبَطَه حتى لا يَتحرَّكَ، ثمَّ قال لهم: أيُّكم محمَّدٌ؟ وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّكِئًا على فُرشٍ له بيْن القومِ لتواضُعِه، فأخبَرَه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّ الرجُلَ الأبيضَ المُتَّكئَ على الفراشِ هو النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَناداهُ ضِمامٌ: يا ابنَ عبدِ المُطَّلبِ، فنَسَبَه لجَدِّه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قد أجبْتُكَ»، أي: سَمِعْتُك، فسَلْ حتى أُجِيبَك، وإنَّما أجابَه عليه السَّلامُ بهذه العبارةِ؛ لأنَّه أخلَّ بما يَجِبُ مِن رِعايةِ غايةِ التَّعظيمِ والأدَبِ بإدخالِ الجَمَلِ في المسجِدِ، وخِطابُه بـ: «أيُّكم محمَّدٌ؟» وبابنِ عبدِ المطَّلبِ؟ فقال ضِمامٌ: إنِّي سائلُك فمُشدِّدٌ ومُغلِّظٌ عليك في السُّؤالِ، فلا تَحزَنْ ولا تَغضَبْ منِّي في نفْسِك، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سَلْ عمَّا بَدا لك» وما ظهَرَ لك مِن أسئلةٍ، فقال ضِمامٌ: أسأَلُك بربِّك وربِّ مَن قبْلِك؛ آللهُ أرسَلَك إلى الناسِ كلِّهم؟ فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اللَّهمَّ نَعَمْ»؛ إنَّ اللهَ أرْسَلَني بَشيرًا ونَذيرًا إلى كلِّ الناسِ، فاستحْلَفَ ضِمامٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ سُبحانه وتعالَى، وذكَّرَه به أنْ يُجِيبَه، هلْ أمَرَ اللهُ عِبادَه بالصَّلواتِ المكتوباتِ وبصَومِ رَمضانَ وبأخْذِ الزَّكاةِ المفروضةِ، وأنْ تُؤخَذَ هذه الصَّدَقَةُ مِن الأغْنِياء وتُعْطى للفُقَراءِ؟ فأجابَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: اللَّهمَّ نَعمْ، وهنا ما كان مِن ضِمامٍ إلَّا أنْ آمَن وأسلَمَ، بلْ وأخبَرَ النبيَّ الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سيَدْعو قَومَه جَميعًا للإسلامِ. ثمَّ عرَّف نفْسَه للنبيِّ وأنَّه ضِمامُ بنُ ثَعْلَبةَ مِن بَني سَعْدِ بنِ بَكْرٍ الذين استُرضِعَ فيهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

وفي الحديثِ: أنَّ الرَّجلَ يُعرَفُ بصِفتِه؛ مِن البَياضِ والحُمرةِ، والطُّولِ والقِصَر؛ لقولِهِم: فقُلْنا: هذا الرَّجلُ الأبيضُ.

وفيه: بَيانُ تَواضُعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجُلوسِه بيْن أصحابِه ومعهم، ولا يَقومُ واحِدٌ منهم على رَأسِه، كما يَفعَلُ الأعاجمُ في غيرِ حاجةٍ.

وفيه: تَقديمُ الإنسانِ بين يدَيْ حَديثِه مُقدِّمةً يَعتذِرُ فيها؛ ليَحسُنَ مَوقعُ حَديثِه عندَ المُحدَّثِ.