باب في الصبر على المصيبة عند أول الصدمة

بطاقات دعوية

باب في الصبر على المصيبة عند أول الصدمة

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين؛ فقالت: لم أعرفك فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى

كتب الله سبحانه وتعالى على عباده البلاء في أنفسهم وأموالهم وأولادهم، ووعد الصابرين على هذا البلاء الأجر العظيم؛ فقال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10]
وفي هذا الحديث يخبر التابعي ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يكلم امرأة من أهله، وسألها: تعرفين فلانة؟ قالت: نعم، فأخبرها أنه لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المرأة ووجدها تبكي على القبر لفقد أحد أحبائها، وفي رواية مسلم: «تبكي على صبي لها»؛ قال لها ناصحا: «اتقي الله واصبري»، أي: لا تجزعي الجزع الذى يحبط الأجر، واستشعري الصبر على المصيبة بما وعد الله على ذلك؛ ليحصل لك الثواب، وخافي غضب الله إن لم تصبري، فقالت المرأة: ابتعد عني؛ فإنك لم تصب بما أصبت به، فجاوزها النبي صلى الله عليه وسلم ومضى في طريقه، فعرفها رجل بأن من مر بها ونصحها بتقوى الله والصبر على المصيبة هو النبي صلى الله عليه وسلم! فقالت: إنها لم تكن تعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو عرفته لم تكن لتخاطبه بهذا الخطاب، ثم جاءت إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عليه بوابا، وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعا؛ لا يقف على بابه بواب، أو حارس، أو حاجب يمنع الناس من الدخول عليه، وفائدة هذه الجملة أن المرأة لما استشعرت خوفا وهيبة في نفسها، تصورت أن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الملوك له حاجب أو بواب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته، فلما أتته قالت له: والله ما عرفتك، وكأنها تعتذر عن سوء قولها وسوء ردها عليه، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن الصبر المحمود الذي يؤجر عليه الإنسان يكون عند صدمة المصيبة الأولى وبدايتها؛ لأنه هو الذي يشق ويعظم تحمله ومجاهدة النفس عليه، وأما بعد الصدمة الأولى ومرور الأيام فكل أحد يصبر وينسى المصيبة
وفي الحديث: بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: موعظة المصاب ونصحه عند البكاء على الميت
وفيه: رفقه صلى الله عليه وسلم وكريم خلقه؛ حيث لم ينتهر المرأة لما ردت عليه قوله، بل عذرها بمصيبتها