باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله1
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» وفي الباب عن أبي سعيد، وعبادة بن الصامت
الدُّعاءُ هو العِبادةُ، واللهُ سبحانه وتعالى يُحِبُّ أنْ يَدْعُوَه عِبادُه، ومَن وُفِّق إلى الدُّعاءِ فلا يَستعجِلِ الإجابةَ، بل عليه أن يَثِقَ باللهِ سبحانه، ويَعلَمَ أنَّه يُريدُ له الخيرَ سواءٌ بتَعْجيلِ الإجابةِ أو بتَأخيرِها.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "ما مِن رجُلٍ يَدْعو اللهَ بدُعاءٍ"، أي: يَسأَلُ ويَطلُبُ مِن اللهِ مَسألةً "إلَّا استُجيبَ له"، أي: إلَّا أعطاه اللهُ ما سألَ ودعا به؛ "فإمَّا أن يُعجِّلَ له"، أي: فإمَّا أن تُعجَّلَ له إجابةُ دُعائِه في الدُّنيا مِن دفعِ البلاءِ، "وإمَّا أن يَدَّخِرَ له" في الآخِرَةِ مِن الثَّوابِ والفَضلِ والأجرِ والمنازلِ العاليةِ في الجنَّةِ، "وإمَّا أن يُكفِّرَ عنه مِن ذُنوبِه بقدرِ ما دعا"، أي: يَغفِرَ له آثامَه ومَعاصِيَه بقدرِ ما دعا؛ وذلك أنَّه إذا "لَم يَدْعُ"، أي: يكُنْ دُعاؤُه "بإثمٍ"، أي: أنْ يَكونَ دُعاؤُه فيه معصيةٌ وظلمٌ، "أو قَطيعةِ رَحِمٍ"، بأنْ يكونَ الدُّعاءُ به هَجْرٌ لِقَرابتِه أو يَدْعو اللهَ تعالى بما فيه قَطيعةٌ مِن والِدَيه وأرحامِه، وهو داخلٌ في عمومِ الإثمِ المذكورِ قبلَه، ولكنَّه خصَّصه بالذِّكْرِ تَنبيهًا على عِظَمِ إثمِ قطيعةِ الرَّحمِ، كما قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]؛ فهو تخصيصٌ بعد تَعميمٍ؛ فلا يَنبَغي للمُسلِمِ أن يَدعُوَ بهذا النَّوعِ من الأدعيَةِ؛ لِما فيه مِن الاعتداءِ في الدُّعاءِ المنهيِّ عنه شرعًا، ولِما فيه القَطيعةِ والتَّباغُضِ والتَّدابرِ المنهيِّ عنها كذلك، "أو يَستَعجِلْ"، فسأل الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَستعجِلُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: يقولُ: "دَعوتُ ربِّي فما استَجاب لي"، أي: سألتُ ربِّي مَرَّةً ودعَوتُه كثيرًا، فيَستَبْطِئُ الإجابةَ، وقيل: يمَلُّ فيَترُكُ الدُّعاءَ.
وفي الحَديثِ: بيانُ فضلِ الدُّعاءِ.
وفيه: أنَّ الاستجابةَ للدُّعاءِ غيرُ مقيَّدةٍ بنُزولِ المطلوبِ؛ فقد يُكفَّرُ عنه بدَعوتِه، أو يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ.