‌‌باب فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم1

سنن الترمذى

‌‌باب فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم1

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت ذكوان أبا صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» هذا حديث حسن صحيح ومعنى قوله: نصيفه، يعني نصف مده. حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم همْ أفضَلُ جِيلٍ في الأمَّةِ الإسْلاميَّةِ، ولهم مَكانَتُهمُ السَّامِقةُ الَّتي لا يُضاهِيها جِيلٌ آخَرُ؛ فهمْ أوَّلُ مَن آمَنَ باللهِ ورَسولِه، وحَمَلوا عنه الوَحيَ والسُّنَّةَ، وجاهَدوا في سَبيلِ اللهِ حتَّى انتَشَرَتِ الدَّعْوةُ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن سَبِّ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم، والمَقْصودُ بـ«أصْحابي» هنا: يَحتَمِلُ أمرَيْنِ؛ فإنْ كان خاطَبَ أصْحابَه، فالخِطابُ للمُتأخِّرينَ منهم، فأعلَمَهم أنَّهم لنْ يَبلُغوا مَرْتَبةَ المُتقدِّمينَ، وإنْ كان قال لمَن سيَأْتي فعَلى مَعنى: بَلِّغوا مَن يَأْتي، ثمَّ يؤكِّدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على هذا المَعنى بقَولِه: «فلو أنَّ أحَدَكم أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهبًا، ما بَلَغ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصِيفَه»، ومَعْناه: لو أنفَقَ أحَدُكم مِثلَ جبَلِ أُحدٍ ذَهبًا، ما بَلَغ ثَوابُه في ذلك ثَوابَ نَفَقةِ أحَدِ أصْحابي مُدًّا، وهو ما يَمْلأُ الكَفَّينِ، والنَّصيفُ: النِّصفُ.
فبيَّنَ أنَّ جُهدَ المُقِلِّ منَ الصَّحابةِ، واليَسيرَ منَ النَّفَقةِ الَّذي أنْفَقوه في سَبيلِ اللهِ، معَ شدَّةِ العَيشِ والضِّيقِ الَّذي كانوا فيه، أوْفى عندَ اللهِ، وأزْكى منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه مَن بَعدَهم، فالقَليلُ الَّذي أنفَقَه أحَدُهم أكثَرُ ثَوابًا منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه غَيرُهم؛ وذلك لمَّا كان يُقارِنُ عمَلَ الصَّحابةِ منَ السَّبْقِ، ومَزيدِ الإخْلاصِ، وصِدقِ النِّيَّةِ، وكَمالِ النَّفْسِ، بخِلافِ غيرِهم.
وفي الحَديثِ: تَفْضيلُ الصَّحابةِ كلِّهم على جَميعِ مَن بعْدَهم.