باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

حدثنا سليمان بن داود وابن السرح قالا حدثنا ابن وهب أخبرنى يونس قال قال ابن شهاب فأخبرنى عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب - وكان قائد كعب من بنيه حين عمى - عن كعب بن مالك قال قلت : يا رسول الله إن من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ». قال فقلت : إنى أمسك سهمى الذى بخيبر.

كان كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه أحد الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن غزوة تبوك بلا نفاق ولا عذر، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة، هجرهم، وأمر أصحابه بهجرهم، ومازالوا مهجورين، حتى نزلت توبتهم ورضي الله عنهم، فرضي الرسول والصحابة، فكان من شدة فرح كعب برضا الله عنه وقبول توبته أن أراد أن يتصدق بكل ماله لوجه الله تعالى ، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك بأن يمسك بعض ماله، فالله تعالى لما علم صدق نيته وحسن توبته، غفر له ذنبه، وتجاوز عنه، ولو لم يفعل هذا، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد أنفق بعض ماله، فرحا برضا الله تعالى ، وليجد ثوابه مُدَّخراً عنده وأبقى بعضه، ليقوم بمصالحه ونفقاته الواجبة من مؤونة نفسه، ومؤونة من يعول، والله رؤوف بعباده.  
 
 معاني الكلمات
أَنْخَلِعَ مِن مالي: يعني أخرجه كله صدقة. 
 من فوائد الحديث
أن من نذر الصدقة بماله كله، أبقى منه ما يكفيه ويكفي من يعول، وأخرج الباقي. 
أن الأولى والأحسن أن لا ينهك الإنسان ماله بالصدقات؛ لأن عليه نفقات واجبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". 
أن النفقة على النفس والزوجة والقريب، عبادة جليلة، وصدقة عظيمة مع النية الحسنة، فالأحسن أن يتصدق بنية التقرب، وأن لا تطغى نية قضاء الشهوة والشفقة المجردة والمحبة، على نية العمل. 
أن الصدقة سبب في مَحْوِ الذنوب، لما فيها من رضا الرب -تبارك وتعالى- والإحسان إلى الفقراء والمساكين، واستجلاب دعائهم. 
استحباب الصدقة؛ شكرًا للنعم المتجددة لا سيما ما عظم منها.