باب قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك}: ألن جانبك.
بطاقات دعوية
عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} [ورهطك منهم المخلصين 6/ 94]؛ صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا [ذات يوم 6/ 17] [فهتف: يا صباحاه! فقالوا: من هذا؟] فجعل ينادى: يا بنى فهر! يا بنى عدى! لبطون قريش (وفى رواية: يدعوهم قبائل قبائل 4/ 161) حتى اجتمعوا (وفى رواية: فاجتمعت إليه قريش 6/ 95)، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش [قالوا: مالك؟] فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى [تخرج من سفح هذا الجبل] تريد أن تغير عليكم (وفي رواية: أن العدو مصبحكم أو ممسيكم) أكنتم مصدقى؟: قالوا نعم؛ ما جربنا عليك إلا صدقا (وفى رواية: قالوا: بلى). قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد. فقال أبو لهب [عليه لعنة الله 2/ 108]: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ [ثم قام] , فنزلت: {تبت يدا أبى لهب وتب [وقد تب -هكذا قرأها الأعمش يومئذ]. ما أغنى عنه ماله وما كسب} [إلى آخرها].
__________
للقَرابةِ حقوقٌ عظيمةٌ، وهي أَوْلَى بالتقديمِ في كلِّ خيرٍ، والقَرابةُ هي كلُّ ذِي رحَمٍ مِن قِبَلِ الأبِ أو الأمِّ، ولكن يُبدأ بقَرابةِ الأبِ قبلَ الأمِّ ويُقدَّم مَن قَرُب على مَن بَعُدَ في إعطاءِ الخيرِ والمعروفِ،
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ لأبي طَلْحةَ رضيَ اللهُ عنهُ- وكانَ زَوجَ أُمِّ أنسٍ، وهيَ أُمُّ سليمٍ رضِيَ الله عنها-: "أَرى أنْ تَجْعلَها في الأقْرَبينَ"، وذلكَ أنَّ أبا طَلحةَ كانَ أكثرَ الأنْصارِ بالمدينةِ مالًا مِن نَخلٍ، وكانَتْ بَيْرُحاءُ مِن أحبِّ مالهِ إليهِ.
وبَيْرُحاءُ: حدِيقةٌ كانتْ مواجِهةً للمَسجِدِ النبويِّ، وكانتْ طيِّبةَ الماءِ والثَّمرِ، فأرادَ أبو طلحةَ إنفاقَها في سَبيلِ اللهِ تَعالى بعدَما نَزلَ قولُه تَعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، فأمرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن يُنفِقَها في أقاربِه، فامتَثلَ أبو طلحةَ لأَمرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، "فقسَّمها أبو طلحةَ في أقاربِه وبَني عمِّهِ".
وممَّا ذُكِر في تَقديمِ الأقاربِ في بَذْلِ المعروفِ ما قالَه عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ وأبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهم، من أنَّه لَمَّا نزلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، أي: لَمَّا نزَلَ أمرُ اللهِ عزَّ وجلَّ على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم يأمُرُه فيه بالجهرِ بالدَّعوةِ، أمَرَه أنْ يَبدَأَ بأقاربِه، وكانتْ قُريشٌ هي قبيلةَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، "جَعَل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنادي: يا بَني فِهر، يا بَني عَدِيٍّ، لبُطونِ قريش"، أي: لعشائرِ القبيلةِ وما تَفرَّع منها، وقد جاءَ في الرواياتِ أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم جعَل يُنادي: "يا عبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلبِ، لا أُغني عنك مِن اللهِ شيئًا، ويا صَفيَّةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ، لا أُغني عنكِ مِن اللهِ شيئًا، ويا فاطمةُ بِنتَ مُحمَّدٍ، سَلِيني ما شِئتِ مِن مالي؛ لا أُغني عنكِ مِن اللهِ شيئًا"، أي: يَدْعو كلَّ فَردٍ مِن أقاربِه باسمِه.
وقدْ ذُكِرَ هنا كلامُ ابنِ عبَّاسٍ وأبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهم مع حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه؛ لتَعريفِ كَلمةِ الأقاربِ. ( ).