باب كراهية الزينة للمتوفى عنها زوجها
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع أنه سمع زينب ابنة أم سلمة تحدث
أنها سمعت أم سلمة وأم حبيبة تذكران: أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن ابنة لها توفي عنها زوجها، فاشتكت عينها فهي تريد أن تكحلها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول، وإنما هي: أربعة أشهر وعشر" (1).
كانَتِ النِّساءُ في زمَنِ الجاهليَّةِ لا قَدْرَ لهنَّ ولا وَزْنَ، حتَّى جاء الإسلامُ فأَكرمَهنَّ وأحسَنَ إليهنَّ بما يرفَعُ مِن قدرِهنَّ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ سلَمةَ رَضِي اللهُ عَنها: "أنَّ امرأةً مِن قُرَيشٍ"، قيل: هي عاتِكةُ بنتُ نُعَيمٍ، "جاءتْ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالَتْ: إنَّ ابنتي تُوفِّيَ عنها زَوجُها، وقد خِفْتُ على عينِها"، وفي رِوايةٍ: "وقد اشتكَتْ عينَها"، أي: أصابها وجَعٌ، "وهي تُريدُ الكُحْلَ؟"، أي: تُريدُ أن تكتحِلَ في عينَيْها لطلَبِ الشِّفاءِ، وإنْ كان في الكُحْلِ تجمُّلٌ وخروجٌ عن الإحدادِ على الزَّوجِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "قد كانَتْ إحداكنَّ"، أي: النِّساءُ بصِفةٍ عامَّةٍ في زَمَنَ الجاهليَّةِ، "تَرْمِي بالبَعْرةِ"، والبَعْرةُ: رَوْثُ البَعيرِ، "على رأسِ الحَوْلِ، وإنَّما هي أربعةُ أشهُرٍ وعَشْرًا"، أي: يُشيرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى ما أصبَحَ للمرأةِ في الإسلامِ مِن عِدَّةٍ وحياةٍ طبيعيَّةٍ، مقارَنةً بشِدَّةِ ما كان لها مِن عدَّةٍ زمَنَ الجاهليَّةِ مِن طُولِ مدَّتِها وكيفيَّةِ قَضائِها، وقيل: بل هو إظهارٌ لحقِّ الزَّوجِ الَّذي مات عنها، وأنَّ العامَ الَّذي كانَتْ تمكُثُه هو بقَدْرِ تِلكَ الرَّوثةِ الَّتي تَرْميها بيدِها، ومع ذلك فقد خفَّفَ عنها الإسلامُ المدَّةَ إلى أربعةِ أشهُرٍ وعَشْرٍ؛ فعليها أن تُحِدَّ على زَوجِها ولا تَتكلَّفَ في طلَبِ التَّجمُّلِ، وأنَّ لها مِن العلاجِ للعينَيْنِ أنواعًا أخرى غيرَ الكُحْلِ الَّذي يُتجمَّلُ به.
قال حُمَيدُ بنُ نافعٍ مِن التَّابعينَ: "فقُلْتُ لزينَبَ"، وهي: بنتُ أبي سلَمةَ، رَاويةُ الحديثِ عن أمِّها: "ما رأسُ الحَوْلِ؟"، أي: ما معناه والمرادُ به؟ فقالَتْ زينبُ رَضِي اللهُ عَنها: "كانَتِ المرأةُ في الجاهليَّةِ، إذا هلَك زَوجُها"، أي: ماتَ عنها، "عمَدَتْ إلى شرِّ بيتٍ لها"، أي: أحقَرِه، "فجلَسَتْ فيه"، أي: عامَ عدَّتِها، "حتَّى إذا مَرَّتْ بها سَنَةٌ، خرَجَتْ فرَمَتْ وراءَها ببَعْرةٍ"، قيل: كان مِن عادتِهم في الجاهليَّةِ أنَّ المرأةَ إذا تُوفِّيَ عنها زَوجُها دخلَتْ بيتًا ضيِّقًا ولبِسَتْ شَرَّ ثِيابِها، ولم تمَسَّ طِيبًا، ولا شَيئًا فيه زِينةٌ، حتَّى تمُرَّ بها سنَةٌ، ثمَّ تَخرُجُ مِن البيتِ فتُعطَى بَعرةً فتَرْمي بها وتنقطِعُ بذلكَ عدَّتُها .