باب لا تسبوا الدهر
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تسموا العنب (وفي طريق: يقولون:) الكرم (33)، [إنما الكرم قلب المؤمن]، ولا تقولوا: خيبة الده
لمَّا جاء الإسلامُ نَهَى عن كلِّ العاداتِ السَّيِّئةِ التي كانتْ في الجاهليَّةِ -وهي فتْرةُ ما قبْلَ الإسلامِ-، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُغيِّرُ بعضَ الأسماءِ الموروثةِ مِن الجاهليَّةِ؛ لِيُصحِّحَ المفاهيمَ، ويُبعِدَ العُقولَ والقُلوبَ عن ارتباطِها بأسماءَ تَحمِلُ صِفاتٍ وَهميَّةً مُرتبِطةً باعتقاداتٍ فاسدةٍ، كما في هذا الحَديثِ، حيث يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ»، أي: لا تقولوا ذلك على بُستانِ العِنَبِ، قِيلَ: لأَنَّهُم كانوا في الجاهِليَّةِ يُسَمُّونَ العِنَبَ كَرْمًا؛ وذلك بِسَبَبِ ظَنِّهم أنَّ الخَمْرَ المُتَّخَذَةَ منه تَحُثُّ على الكَرَمِ.
وفي أحاديثَ صحيحةٍ عند البخاريِّ ومُسلمٍ وغيرِهما ما يُبَيِّنُ المستحِقَّ لهذا الاسمِ؛ فقال: «فإنَّما الكَرْمُ الرَّجلُ المُؤمِنُ» أو «الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الصَّالِحُ»، أو «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»؛ وذلك لِمَا في المسلِمِ وقَلْبِه مِن نُورِ الإيمانِ، وتقْوى الإسلامِ، ولِمَا أكْرَمَهُ اللهُ به وفضَّلَه على الخليقةِ، وقيل: نُهِيَ أنْ يُسمَّى أصْلُ الخَمْرِ باسمٍ مأْخوذٍ مِن الكرَمِ، وجعَلَ المُؤمنَ الَّذي يَتَّقي شُرْبَها ويَرى الكرَمَ في تَرْكِها؛ أحقَّ بهذا الاسمِ الحَسنِ؛ تأْكيدًا لحُرمتِه، وأسقَطَ الخمْرَ عن هذِه الرُّتبةِ؛ تَحقيرًا لها، وتأْكيدًا لتَحريمِ الخمْرِ، وسَلْبًا للفضيلةِ بتَغييرِ اسْمِها المأخوذِ مِن الكرَمِ.
ثمَّ نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن فِعْلٍ آخَرَ، فقال: «ولا تقولوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ»، والمرادُ بالدَّهرِ الزَّمانُ قَلَّ أو كثَرُ، والخَيْبَةُ بمعنى الحِرْمانِ والخَسارَةِ، فكأنَّ قائِلَ ذلك يَنْسُبُ ما أصابَهُ ممَّا يَكْرَه إلى الدَّهْرِ، سَبًّا له على ذلك، فَنَبَّهَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَطَأِ ذلك، فقال: «فإنَّ اللهَ هو الدَّهْرُ»، أي: إنَّ فِعْلِكُمْ هذا خَطَأٌ؛ لأَنَّ اللهَ هو المُتَصَرِّفُ بِالدَّهْرِ؛ بِيَدِهِ الأمرُ، يُقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ، ويُدبِّرُ الأُمورَ، ويَكونُ فيه ما أرادَه مِن خَيرٍ أو شَرٍّ، فحَقيقةُ السَّبِّ تَعودُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ فمَن سَبَّ السَّبَبَ فكَأنَّه سَبَّ الخالِقَ المُسبِّبَ، وسَبَبُه أنَّ العَرَبَ كانَ مِن شَأنِها أنْ تَسُبَّ الدَّهرَ عِندَ النَّوازِلِ والحَوادِثِ والمَصائِبِ النَّازِلةِ بها؛ مِن مَوتٍ، أو هَرَمٍ، أو تَلَفِ مالٍ، أو غَيرِ ذلك، فيَقولونَ: يا خَيبةَ الدَّهرِ، ونَحوَه، فنهى عن ذلك.
وفي الحَديثِ: الابتعادُ عَنِ استخدامِ الأسماءِ والمعاني الحَسَنَةِ فيما هو مُقَبَّحٌ شَرْعًا.
وفيه: النَّهْيُ عن سَبِّ الدَّهْرِ.
ر، فإن الله هو الدهر".