باب لا يقل: خبثت نفسي 2
بطاقات دعوية
عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي". (قلت: أسند فيه حديث أبي هريرة المتقدم برقم 1963/ ج 3).
نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أنْ يَصِفَ الإنسانُ المسلمُ نفْسَه -إنْ أصابَها شَيءٌ مِن الضِّيقِ والضَّجَرِ- بالخُبثِ، وأمَرَ بإبدالِه بوصْفِ اللَّقَسِ، وهو الغَثَيان أو الضَّجرُ، مع أنَّ اللَّقَسَ والخُبثَ بمعنًى واحدٍ، وإنَّما كَرِه «خَبُثَت»؛ هَرَبًا من لفظِ الخُبثِ والخَبِيثِ الذي يُوصَفُ به الشَّياطينُ والكَفَرةُ والفَجَرةُ، وهذا لِمَا في وصْفِ النَّفْسِ بذلك مِن أثرٍ فيها، وكان مِن سُنَّنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَغيِيرُ الاسمِ القَبِيح إلى الحَسَنِ.
ولا يتعارَضُ هذا مع قَولِه عليه السَّلامُ في الصَّحيحَين: «فأصبح خبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ»؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ مخبرٌ عن غير مُعَيَّنٍ، وعن مذمومٍ من الفِعلِ يصلُحُ فيه استعمالُ هذا اللَّفظِ.
وفي هذا الحَديثِ إرشادٌ منه عليه السَّلامُ لأمَّتِه عظيمٌ إلى أن تَعرِفَ مواضِعَ الألفاظِ المشتَرَكة بالشَّيءِ المكروهِ، والتجَنُّبِ عنها، وتَرْكِ المبالغةِ والإغراقِ في الأوصافِ، مع التنبيهِ إلى الشَّيءِ الذي فيه السَّلامةُ، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة:104]، فأرشدهم إلى أن يقولوا: انظُرْنا، ونهاهم أن يقولوا: راعِنا؛ لأنَّ (راعِنَا) تحتَمِلُ معنًى حَسَنًا ومعنًى سيِّئًا، وهنا لفظ (الخُبْث) سَيِّئٌ، فكونُه يضيفُ الخُبثَ إلى نَفْسِه هذا شيءٌ سَيِّئ، فأرشده إلى أن يتركَه، وألَّا يأتَي به، ولكِنْ يأتي بلفظٍ آخَرَ يؤدِّي معناه، وليس في ذلك اللَّفظِ ما لا يليقُ.