باب لزوم السنة

باب لزوم السنة

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمدانى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولانى عائذ الله أخبره أن يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل أخبره قال كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس إلا قال الله حكم قسط هلك المرتابون فقال معاذ بن جبل يوما إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر فيوشك قائل أن يقول ما للناس لا يتبعونى وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعى حتى أبتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال قلت لمعاذ ما يدرينى رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق قال بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التى يقال لها ما هذه ولا يثنينك ذلك عنه فإنه لعله أن يراجع وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا. قال أبو داود قال معمر عن الزهرى فى هذا ولا ينئينك ذلك عنه مكان يثنينك. وقال صالح بن كيسان عن الزهرى فى هذا المشبهات مكان المشتهرات وقال لا يثنينك كما قال عقيل. وقال ابن إسحاق عن الزهرى قال بلى ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول ما أراد بهذه الكلمة.

كان الصحابة رضي الله عنهم يدعون الناس إلى الخير ويحذرونهم من الشر، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر
وفي هذا الحديث يقول يزيد بن عميرة- وكان من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه-: "كان لا يجلس مجلسا"، أي: معاذ بن جبل رضي الله عنه، "للذكر حين يجلس"، أي: للتذكير والوعظ، "إلا قال" هذه العبارة، ويكررها في مجالسه: "الله حكم قسط"، أي: الحكم العادل في حكمه، "هلك المرتابون"، أي: الذين يشكون، فقال معاذ بن جبل يوما: "إن من ورائكم"، أي: قدامكم وأمامكم، "فتنا"، أي: ابتلاءات واختبارات، "يكثر فيها المال"، أي: يفيض فيها المال، "ويفتح فيها القرآن"، أي: تكثر تلاوته وقراءته، "حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر"، أي: كلهم يقرأ القرآن، "فيوشك قائل أن يقول"، أي: في نفسه، "ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟"، أي: إنه يدعوهم إلى القرآن وإلى ما فيه فلا يستجيبون له، "ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره"، أي: آتي لهم بشيء آخر غير القرآن حتى يتبعوني؛ وذلك لعلمه أنهم يتبعون البدع ويتركون القرآن
ثم قال معاذ رضي الله عنه: "فإياكم وما ابتدع"، أي: احذروا واجتنبوا ما ابتدعه المبتدع ودعاكم إليه؛ "فإن ما ابتدع ضلالة"؛ لأن كل بدعة ضلالة يضل بها صاحبها، "وأحذركم"، أي: أخوفكم، "زيغة الحكيم"، أي: العالم؛ وذلك بانحرافه عن الحق؛ "فإن الشيطان قد يقول"، أي: يجري، "كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق"، أي: يجري على لسانه الحق
قال يزيد بن عميرة لمعاذ بن جبل: "ما يدريني"، أي: ما يعلمني، "رحمك الله"، وهو دعاء له بالرحمة، "أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟"، أي: كيف أعرف ذلك، "قال"؛ معاذ، "بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات"، أي: احذر من كلام الحكيم المشهور بالباطل أو الشبهة، "التي يقال: ما هذه؟!"، أي: التي تجعل الناس يقولون في شأنها إنكارا لها هذه الكلمة، "ولا يثنينك ذلك عنه"، أي: لا يصدنك زيغة الحكيم هذا عن الحكيم، فلا تجعل خطأه هذا سببا في تركك إياه وابتعادك عنه؛ "فإنه لعله أن يراجع"، أي: يرجع إلى الحق ويترك المشتهرات والشبهات، "وتلق الحق إذا سمعته"، أي: خذ الحق من أي أحد تسمعه منه حتى لو كان الذي قاله منافقا؛ فإذا كان كلاما حسنا وصحيحا، فهو مقبول، والحق ضالة المؤمن يأخذه حيث وجده؛ "فإن على الحق نورا"، أي: إن الحق لا يخفى ولا يلتبس؛ لأن عليه نورا وضياء بما يتوافق فيه مع كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم.