باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله5
سنن الترمذى
حدثنا أبو عمار قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»: «هذا حديث حسن صحيح»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلُ بيتِه يَعيشون في زُهدٍ وبُعدٍ عن متاعِ الدُّنيا؛ طمعًا وطَلَبًا للحياةِ الباقيةِ على الدَّارِ الفانيةِ، وكان طعامُه كَفافًا، ويَرضى بما رزقه اللهُ من الطَّعامِ، وكان التَّمرُ شيئًا رئيسًا في طعامِه طُولَ العامِ، مع ما فتح اللهُ عليه من الفُتوحِ واتَّسَعت، وجاءته الدُّنيا وهي صاغِرةٌ!
وفي هذا الحَديثِ يروي أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَدْعو ويقولُ: «اللَّهمَّ ارزُقْ آلَ محمَّدٍ قُوتًا»، والقُوتُ: ما يسُدُّ الرَّمَقَ، والمرادُ به الكَفافُ مِنَ العَيشِ، فلا يطغَون بالإكثارِ، ولا يحسُدهم أهلُ الدُّنيا في أرزاقِهم؛ إذا رآهم الفقيرُ استَعمَلَ الرِّضا، وإذا رآهم الغنيُّ استَحْيا؛ فطَلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكَفَافَ؛ فإنَّ القُوتَ: ما يَقُوتُ البَدَنَ، ويَكُفُّ عنِ الحاجةِ، وفي هذه الحالةِ سَلَامةٌ مِن آفاتِ الغِنَى والفَقْرِ جميعًا.
وفي روايةِ مُسلمٍ: «اجعَلْ رِزقَ آلِ محمَّدٍ قُوتًا» قيل: هو الأَولى؛ وذلك لأنَّ اللَّفظَ الأوَّلَ صالحٌ لأن يكونَ دُعاءً بطَلَبِ القُوتِ في ذلك اليَومِ، بخلافِ اللَّفظِ الثَّاني، فهو دالٌّ على الكَفافِ على مُطلَقِ الأيَّامِ.
ولا شَكَّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما زَهِدَ في الدُّنيا اختيارًا؛ فقد مَلَك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نعيمَ الدُّنيا، وخَيَّره رَبُّه عزَّ وجَلَّ بأن تصيرَ له الجِبالُ ذَهَبًا.
وفي الحَديثِ: فضْلُ التَّقلُّلِ مِن الدُّنيا والاقتصارِ على القُوتِ منها، والدُّعاءُ بذلك.
وفيه: فضْلُ الكَفافِ وأخْذِ البُلْغةِ مِن الدُّنيا، والزُّهد فيما فوْقَ ذلك؛ رَغبةً في تَوفيرِ نِعَمِ الآخِرةِ.