باب ومن سورة الكوثر1
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، في قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هو نهر في الجنة» قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رأيت نهرا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ": هذا حديث حسن صحيح
أكرَم اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وخصَّه بأشياءَ كثيرةٍ دونَ غيرِه في الدُّنيا والآخرةِ، ومِن هذه الأشياءِ الَّتي أعطاها اللهُ عزَّ وجلَّ لنبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نَهْرُ الكوثرِ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تفسيرَ قولِه تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، فيقولُ: "هو"، أي: الكوثَرُ، "نهرٌ في الجنَّةِ"، سُمِّي بالكوثَرِ؛ لِكَثرةِ مائِه وآنيَتِه وعِظَمِ برَكتِه وخيرِه وقَدْرِه، حتَّى جاء في وصْفِه أنَّ طولَه شهرٌ، وعَرضَه شهرٌ، وماءَه أشَدُّ بَياضًا مِن اللَّبَنِ، وأحْلى مِن العسَلِ، وآنِيَتَه كنُجومِ السَّماءِ في كَثرتِها واستِنارتِها، مَن شَرِب منه شَربةً لم يَظمَأْ بعدَها أبدًا، "قال" أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "رأيتُ" ليلةَ الإسراءِ، "نهرًا في الجَنَّةِ"، "حافتيه"، أي: جانبيه، "قِبَابُ"، جمعُ قُبَّةٍ، وهو البِناءُ الَّذي يَكونُ سَقفُه مُستديرًا، وهذه القِبابُ مِن "اللُّؤلُؤِ"، وهو جوهَرٌ نفيسٌ مَعروفٌ، "قلتُ"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما هذا" النَّهرُ، "يا جِبْرائيلُ؟"، الَّذي أَراه، "قال" جبريلُ عليه السَّلامُ: "هذا" النَّهرُ هو "الكوثَرُ الَّذي أعطاكَه اللهُ"، أي: أعطاك إيَّاه؛ وذلك في قولِه تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]؛ فهذا نصٌّ صريحٌ على أنَّ المرادَ بالكوثَرِ النَّهرُ المذكورُ في هذا الحديثِ، وقيل: إنَّ الكوثرَ مَعْناه الخيرُ الكثيرُ الَّذي جمَعه اللهُ تعالى لنَبيِّه في الآخِرةِ، ويَدخُلُ فيه الكوثَرُ والحوضُ، وقيل: الكوثرُ حوضٌ أُعطِيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الجنَّةِ، وليس نهرًا، ويُمكِنُ الجَمعُ بينَهما بأنَّ الكوثرَ نَهرٌ يَجْري في الجنَّةِ، وفي طَرَفِه حوضٌ يَصُبُّ فيه، ويَقِفُ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يومَ القِيامةِ ويَسْقي منه مَن يَرِدُ عليه مِن أمَّتِه.
وفي الحديثِ: كرامةُ اللهِ لنبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الدُّنيا والآخِرَة.