باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها»، يعني: إذا أدركت فردت. وفي الباب عن أبي موسى، وابن عمر، وعائشة.: «حديث أبي هريرة حديث حسن»، " واختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة، فرأى بعض أهل العلم: أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ، فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح أو فسخه، وهو قول بعض التابعين وغيرهم " وقال بعضهم: لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ، ولا يجوز الخيار في النكاح، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وغيرهما من أهل العلم " وقال أحمد، وإسحاق: " إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت، فرضيت، فالنكاح جائز، ولا خيار لها إذا أدركت، واحتجا بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين وقد قالت عائشة: " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة
لقدْ كرَّمَ الإسلامُ المرأةَ، ومِن ذلك: أنَّه جعَلَ لها حُقوقًا تعبِّرُ فيها عن نفسِها، وخاصَّةً عند الزَّواجِ؛ فللمرأةِ حَقٌّ في الموافقةِ أو الرَّفضِ لمَن يَتقدَّمُ إليها ويَطلبُ زواجَها مِن وليِّ أمرِها. ... وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ليس للوليِّ مع الثَّيِّبِ أمرٌ"، أي: ليس له أن يَفرِضَ رأيَه وقرارَه بالقَبولِ أو الرَّفضِ على مَن سبَق لها الزَّواجُ لِمَن طلَبَها للزَّواجِ، بل يُؤخَذُ منها صَريحُ اللَّفظِ بالقَبولِ أو الرَّفضِ، ووليُّ المرأةِ: هو الَّذي يَلي أمرَها مِن عَصَبَتِها مِن الرِّجالِ الأقرَبِ فالأقرَبِ، كأبيها وأخيها وعمِّها. ... "واليتيمَةُ"، أي: الَّتي ليس لها أبٌ، والمرادُ باليتيمَةِ البِكرُ؛ كما فُسِّر برِواياتٍ أُخرَى، وحمَله البعضُ على أنَّ المرادَ: البِكرُ اليتيمَةُ بحَمْلِ المطْلَقِ على المقيَّدِ، "تُستَأمَرُ"، أي: يأخُذُ وليُّها رأيَها فيمَن تقدَّم لها، "وصَمتُها إقرارُها"، أي: وسُكوتُها علامةٌ على مُوافقتِها بالزَّوجِ؛ وذلك أنَّ البِكرَ والصَّغيرةَ تكونُ أشدَّ حَياءً مِن الَّتي قد سبَق لها الزَّواجُ، وأيضًا فإنَّ ذلك مِن حِرصِ الإسلامِ على مَصلحةِ القاصِراتِ واليتيماتِ، وحثِّه للأولياءِ على رِعايتِهنَّ، وحُسنِ اختيارِ الأزواجِ لهنَّ؛ لأنهنَّ قليلاتُ الخِبرةِ، ويَسهُلُ خِداعُهنَّ. ...
وفي الحديث: بيانُ مُراعاةِ الإسلامِ لحقِّ المرأة الثيِّبِ وأنَّ أمْرَها بيَدِها في الزَّواجِ؛ فلا بدَّ مِن موافقتِها، وليس للوليِّ أن يَجبُرَها على الزَّواجِ مِمَّن لا تَرغَبُ فيه