‌‌باب ومن سورة ألهاكم التكاثر3

سنن الترمذى

‌‌باب ومن سورة ألهاكم التكاثر3

حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عياش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8] قال الناس: يا رسول الله، عن أي النعيم نسأل؟ فإنما هما الأسودان والعدو حاضر، وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: «إن ذلك سيكون»: «وحديث ابن عيينة عن محمد بن عمرو عندي أصح من هذا، سفيان بن عيينة أحفظ وأصح حديثا من أبي بكر بن عياش»

لقدْ أنعَم اللهُ عزَّ وجَلَّ على عِبادِه بنعَمٍ كثِيرةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى؛ فعلى العبْدِ أنْ يَشكُرَ اللهَ سبحانَه وتعالَى على هذه النِّعَمِ، ولا يَعصِيَ اللهَ تعالى بها؛ لأنَّه سوْف يُحاسَبُ عليها يومَ القِيامَةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرَةَ رَضِي اللهُ عَنه: "لَمَّا نزَلَتْ هذه الآيَةُ"، أي: عندما أنزَلَ اللهُ تعالى على نبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هذه الآيَةَ بواسِطَةِ أمينِ الوحْيِ وهو جِبريلُ عليه السَّلامُ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ} أيُّها النَّاسُ، {يَوْمَئِذٍ}، أي: يومَ القِيامَةِ، {عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]؛ الَّذي تنعَّمتُمْ به في دارِ الدُّنيا، هل قمتُمْ بشكْرِه، وأدَّيتُم حقَّ اللهِ فيه، ولَم تستعِينوا به على معاصِيهِ، فينعِّمُكُم نعيمًا أعلى منه وأفضَلَ، أَمِ اغترَرْتُم به، ولَم تَقوموا بشُكرِه؟ بل ربَّما استعَنْتُم به على مَعاصي اللهِ فيُعاقِبُكم على ذلك، "قال النَّاسُ" الحاضِرون مِن الصَّحابَةِ رَضِي اللهُ عَنهم: يا رسولَ اللهِ، "عن أيِّ النَّعيمِ نُسأَلُ؟"، أي: ليس عِندنا مِن النِّعَمِ الكثِيرُ حتَّى يسأَلَنا ربُّنا عنها، "وإنَّما هما الأسوَدانِ"، أي: إنَّما عندنا نِعْمتانِ فقَط وهما الأَسْوَدان؛ التَّمرُ والماءُ، وغُلِّب التَّمرُ على الماءِ، فقيلَ: أسْوَدان، وكان الغالِبُ في تمْرِ المدينَةِ الأسَودَ، "والعدُوُّ حاضِرٌ"، أي: نحن في حُروبٍ مستمِرَّةٍ، "وسيُوفُنا على عواتِقِنا"، والعاتِقُ ما بين المنْكِبِ والعنُقِ، أي: نُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ ومستعِدُّون للقِتالِ في كلِّ لحظَةٍ حتَّى نَكادَ لا نضَعُ سُيوفَنا ولا نترُكُها، ومع هذا سنُسألُ عن هذا النعيمِ، "قال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مبيِّنًا مَعنى الآيَةِ: "إنَّ ذلك سيَكونُ"، أي: إنَّ السُّؤالَ عن التَّمرِ والماءِ سيكونُ يومَ القِيامةِ، وسيُسأَلُ العبْدُ عنهما.

وقيل: المَعنى أنَّ النَّعيمَ الَّذي تُسأَلون عنه سيكونُ بعد ذلك، بعْدَ أنْ يَفتَحَ اللهُ عليكم مِن الدُّنيا ونَعيمِها ما يَفتَحُ.