باب ما جاء في ابتداء القبلة1
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة، أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] "، فوجه نحو الكعبة، وكان يحب ذلك، فصلى رجل معه العصر، ثم مر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجه إلى الكعبة، قال: فانحرفوا وهم ركوع، وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وعمارة بن أوس، وعمرو بن عوف المزني، وأنس،: «حديث البراء حديث حسن صحيح»، وقد رواه سفيان الثوري، عن أبي إسحاق،
_________
في هذا الحديثِ يَحكي البَرَاءُ بنُ عازبٍ رضِي اللهُ عنه: أنَّه «لَمَّا قَدِم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينةَ» مُهاجِرًا مِن مَكَّةَ «صَلَّى نَحْوَ»، أي: جِهَةَ «بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أو سَبْعَةَ عَشَرَ شهرًا»، بِدايةً مِن أولِ الهجرةِ «وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُحِبُّ أن يُوَجَّهَ»، أي: يُؤْمَرَ بالتوجُّه «إلى الكَعْبَةِ، فأنزَل اللهُ تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}»، أي: تردُّدَ وجهِك وتصرُّفَ نظرِك في جِهَةِ السماءِ، «{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}»، أي: فلَنُعْطِيَنَّكَ ولَنُمَكِّنَنَّكَ مِن استِقبالِها «{قِبْلَةً تَرْضَاهَا}»، أي: تُحِبُّها وتَمِيلُ إليها؛ لِأَغْرَاضِكَ الصحيحةِ التي أَضْمَرْتَها ووافَقَتْ مشيئةَ الله وحِكمَتَه، «فوُجِّهَ نحوَ الكَعْبَةِ، وصلَّى معه رجلٌ» اسمُه عَبَّادُ بنُ بِشْرٍ أو عَبَّادُ بنُ نَهِيكٍ «العَصْرَ، ثُمَّ خَرَج فمَرَّ على قومٍ مِن الأنصارِ» يُصَلُّونَ العصرَ نحوَ بيتِ المَقْدِسِ، «فقال: هو يَشْهَدُ أنَّه صلَّى مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»، وقولُه: (هُو يَشهدُ أنَّه...) جاءَ على طريقِ التَّجْرِيد؛ جَرَّدَ مِن نفسِه شَخْصًا، أو على طَريقِ الالتِفَاتِ، أو نَقَل الرَّاوِي كلامَه بالمعنى، «وأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قد وُجِّه إلى الكَعْبَةِ؛ فانْحَرَفُوا وهم رُكُوعٌ في صلاةِ العصرِ» نحوَ الكَعْبَةِ.
في الحديثِ: شَرَفُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكَرَامَتُه على ربِّه؛ حيثُ يُعطِيه ما يُحِبُّه مِن غيرِ سُؤالٍ.
وفيه: بيانُ ما كان مِن الصَّحابةِ في الحِرْصِ على دِينِهم، والشَّفَقَةِ على إخوانِهم.