‌‌باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب

حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف قال: حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب، ولا يحمل» وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد: حديث سمرة حديث حسن صحيح غريب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد، وإسحاق: وقال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة، وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة
‌‌

المسلمُ مأمورٌ بالتحرُّزِ والاحتياطِ لدِينه، وألَّا يخوضَ في مالِ غيرِه بغير حقٍّ، وقد حدَّد الشرع ضوابطَ الحاجةِ والضرورةِ التي تُبيحُ للإنسانِ أنْ يأكُلَ ممَّا لا يَملِكُه؛ للحِفاظِ على النَّفسِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا أتى أحدُكم على ماشيةٍ"، أي: مرَّ ونزَل على حَيواناتٍ مِن البقَرِ أو الغنَمِ أو الإبِلِ، وقيل: جعَل الماشيةَ بمنزلةِ المضيفِ، وفيه معنى حُسنِ التعليلِ، وهذا إذا كان الضيفُ النازِلُ مُضطرًّا، "فإن كان فيها"، أي: في الماشيةِ، "صاحِبُها"، أي: صاحبُ الماشيةِ موجودٌ يَرْعاها ويقومُ عليها، "فلْيَستأذِنْه" أن يأخُذَ مِن الماشيةِ حاجتَه مِن شُربِ اللَّبنِ ونحوِه، "فإن أَذِن له" صاحبُ الماشيةِ، "فلْيَحتلِبِ" اللَّبنَ مِن الماشيةِ، "ولْيَشرَبْ" مِنها كيف شاء بقَدْرِ حاجتِه.
"وإن لم يكُنْ فيها"، أي: في الماشيةِ، "أحدٌ"، أي: مِن أصحابِها، "فلْيُصوِّتْ"، أي: فلْيُنادِ بأعلى صَوتِه، وليَقُلْ: يا صاحبَ هذه المواشي، "ثلاثًا"، أي: ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فقد يَكونُ صاحِبُها في مكانٍ مُختَفٍ لا يَراه، إمَّا وراءَ شجرةٍ أو بينَ بعضِ الغنَمِ، أو يكونُ مُضطجِعًا ونائمًا بينَ بعضِها، "فإن أجابَه" على نِدائِه، "أحَدٌ" مِن أصحابِ الماشيةِ، "فَلْيستأذِنْه" أن يَحلِبَ ويَشرَبَ، "فإن لم يُجِبْه" بعدَ رفْعِ صوتِه بنِدائِهم، "أحدٌ" مِن أصحابِ الماشيةِ، "فَلْيحتلِب وليشرَبْ" قدْرَ كِفايَتِه ما دام مُضطرًّا لذلك، "ولا يَحمِلْ" شيئًا معه؛ لأنَّ المأذونَ فيه هو قدرُ ما يَدفَعُ الضَّرورةَ والحاجةَ، وإلَّا فلا يُباحُ له مالُ غيرِه، ويَرُدُّ قيمتَه إلى مالِكِه عندَ القدرةِ، وقيل: لا يَلزَمُه ردُّ قيمتِه، وقيل: له أن يَشرَبَ من لَبنِ الماشيةِ في الصَّحراءِ، وإنْ لم يَكُن مُضطرًّا.