باب ما جاء في العمرى2

سنن الترمذى

باب ما جاء في العمرى2

حدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»: هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى معمر، وغير واحد، عن الزهري مثل رواية مالك، وروى بعضهم، عن الزهري، ولم يذكر فيه ولعقبه، وروي هذا الحديث من غير وجه عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة لأهلها»، وليس فيها لعقبه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا قال: هي لك حياتك ولعقبك، فإنها لمن أعمرها لا ترجع إلى الأول، وإذا لم يقل لعقبك فهي راجعة إلى الأول إذا مات المعمر، وهو قول مالك بن أنس، والشافعي وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة لأهلها» والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا: إذا مات المعمر فهو لورثته، وإن لم تجعل لعقبه، وهو قول سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق
‌‌

للمالِ أحكامٌ كثيرةٌ وتَنظيماتٌ مُتعدِّدةٌ في الشَّرعِ؛ وذلك لأنَّ اللهَ تَعالَى جعَلَه قِوامًا لحياةِ النَّاسِ، والتَّعامُلُ فيه دونَ تَنظيمٍ أو باعتداءٍ أو نَهْبٍ يؤدِّي لا مَحالةَ إلى التَّنازُعِ والتَّقاتُلِ، ومِن هذه التَّنظيماتِ: أنَّ الشَّرعَ يُبِيحُ للإنسانِ أن يُعطِيَ مِن مالِه بعضَه لِمَن شاء على صُوَرٍ كثيرةٍ، ولكنْ بِضَوَابِطَ تَحكُمُ ذلك؛ حتَّى لا يَحدُثَ التَّنازُعُ أو التَّراجُعُ عمَّا اتُّفِق عليه، وحتَّى يَحفَظَ الإنسانُ مالَه ولا يُضَيِّعَه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبدِ الله رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَضَى فيمَن أَعْمَرَ عُمرَى له ولِعَقِبِه، العُمْرَى: نوعٌ مِن الهِباتِ والعَطايا، وقدْ أجازَ رسولُ اللهِ أنْ يُعطِيَها المُعطِي للآخِذِ ويكونَ له حرِّيةُ التصرُّفِ فيها، وتُصبِحَ جُزءًا مِن مالِه، ويَرِثَه أبناءُ الآخِذِ مِن بعْدِه، «فهِيَ له بَتْلَةً»، أي: أصبحَتِ العَطِيَّةُ للآخِذِ مَقْطُوعَةَ الصِّلَةِ عن المُعطِي، «لا يَجوزُ للمُعطِي فيها شرطٌ ولا ثُنْيَا» أي: ليس للمُعطِي أنْ يَشتَرِطَ فيها وقتًا محدَّدًا للانتِفاعِ، ولا أنْ يَستَثنِيَ مِن منافِعِها شيئًا؛ وذلك لأنَّها أصبحَت مِلكًا تامًّا للآخِذِ، ويَرِثُها أبناؤُه مِن بعدِه.
وفي الحديثِ: العَطِيَّةُ مِن المالِ للغَيْرِ على جهةِ التَّمليكِ والتَّصرُّفِ الكاملِ للآخِذِ.