باب ما جاء في الفضل في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها

سنن الترمذى

باب ما جاء في الفضل في  الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها

حدثنا هناد قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الفضل بن يزيد، عن الشعبي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: عبد أدى حق الله وحق مواليه، فذاك يؤتى أجره مرتين، ورجل كانت عنده جارية وضيئة فأدبها، فأحسن أدبها، ثم أعتقها، ثم تزوجها يبتغي بذلك وجه الله، فذلك يؤتى أجره مرتين، ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم جاء الكتاب الآخر فآمن به، فذلك يؤتى أجره مرتين " حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، عن صالح بن صالح، وهو ابن حي، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه.: «حديث أبي موسى حديث حسن صحيح»، " وأبو بردة بن أبي موسى: اسمه عامر بن عبد الله بن قيس "، وروى شعبة، وسفيان الثوري هذا الحديث، عن صالح بن صالح بن حي، وصالح بن صالح بن حي هو والد الحسن بن صالح بن حي
‌‌

فضْلُ اللهِ على عِبادِه عَظيمٌ، ومِن ذلك تَفضُّلُه سُبحانَه بمُضاعَفةِ الأجورِ على الأعمالِ، وقدْ كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يحُثُّ الناسَ على فِعلِ الطاعاتِ وأنواعِ البِرِّ ببَيانِ أُجورِ الأعمالِ الصالحةِ وبَيانِ أنواعِها.

وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ثَلاثةَ أصنافٍ مِن الناسِ يُضاعَفُ لهم الأجرُ مرَّتينِ؛

الأوَّلُ: رجُلٌ مِن أهلِ الكتابِ؛ اليهودِ والنَّصارَى، آمَن بنَبيِّه الَّذي أُرسِلَ إليه سابقًا، وهو مُوسى أو عِيسى عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وآمَن بمحمَّدٍ عندما بلَغَتْه دَعوتُه؛ فله أجْرانِ: أجرٌ على إيمانِه بمُوسى أو عِيسى، وأجرٌ على إيمانِه بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا أسلَمَ وحسُنَ إسلامُه، كُتِبَت له كلُّ حَسَنةٍ كان عَمِلَها مِن قبْلُ، ومِصداقُ ذلك قولُه تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 52 - 54].

والثاني: والعبدُ المَملوكُ إذا أدَّى حقَّ اللهِ، فقام بعِبادةِ اللهِ تعالَى، وأدَّى ما يجِبُ عليه؛ مِن صَلاةٍ وصِيامٍ وغيرِ ذلك، وأدَّى أيضًا ما يُكلِّفُه به سيِّدُه على أحسَنِ وَجْهٍ، فله أجْرانِ أيضًا: أجْرُ عِبادتِه للهِ تعالَى، وأجْرُ طاعتِه لسَيِّدِه، وتَحمُّلِه مَضَضِ العُبوديَّةِ، والإذعانِ لحُقوقِ الرِّقِّ.

والثالثُ: رجُلٌ كانت عنده جاريةٌ مَملوكةٌ، وكان يُجامِعُها بحقِّ مِلكيَّتِه لها، فأدَّبَها مِن غَيرِ عُنفٍ وضَرْبٍ، بلْ بالرِّفقِ واللُّطفِ، وربَّاها تَربيةً صالحةً، وعلَّمها أركانَ دِينِها وأحكامَ شَريعتِها»، ثمَّ أعْتَقَها فتَزوَّجها، وأعْطاها حُقوقَ الحُرَّةِ، فله أجْرانِ: أجرٌ على تَعليمِها وعِتْقِها، وأجرٌ على نِكاحِه لها، ومَن فَعَلَ هذا فهو مُفارِقٌ للكِبرِ، آخِذٌ بحَظٍّ وافرٍ مِن التَّواضعِ، وتارِكٌ للمُباهاةِ بنِكاحِ ذاتِ شَرَفٍ ومَنصبٍ.والخِطابُ في قولِه: «أعْطَيْناكَها بغَيرِ شَيءٍ؛ قدْ كان يُرْكَبُ فِيما دُونَها إلى المَدِينةِ» لرجُلٍ مِن أهلِ خُراسانَ، سَأَلَ عامرًا الشَّعبيَّ عمَّن يُعتِقُ أَمَتَه ثم يَتزوَّجُها، فكان جَوابُه بهذا الحديثِ.

وفي الحديثِ: عَظيمُ فضْلِ اللهِ وكَرَمِه على المُطيعينَ.

وفيه: دَليلٌ على أنَّ مَن أحسَن في مَعنيينِ مِن أيِّ فِعلٍ كان مِن أفعال البِرِّ، فله أجْرُه مرَّتينِ، واللهُ يُضاعِفُ لِمَن يشاءُ.

وفيه: فضْلُ تَعليمِ الأَمَةِ والإحسانِ إليها.

وفيه: بَيانُ ما كان عليه السَّلفُ مِن الرِّحلةِ إلى البلدانِ البَعيدةِ في حَديثٍ واحدٍ، أو مَسألةٍ واحدةٍ مِن العِلمِ.