باب ما جاء في المزاح2
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن الوضاح الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عن أبي التياح، عن أنس قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى إن كان ليقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير ما فعل النغير»، حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي التياح، عن أنس، نحوه، وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد الضبيعي،: هذا حديث حسن صحيح
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُمازِحُ أصحابَه؛ تأليفًا لقُلوبِهم، وتَودُّدًا إليهم، وكان كلُّ فِعلِه وهَديِه تَعليمًا وإرشادًا لأمَّتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "قالوا"، أي: بعضُ الصَّحابةِ: "يا رسولَ اللهِ، إنَّك تُداعِبُنا!"، أي: تُمازِحُنا، فردَّ عليهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأوضَح لهم، قال: "إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا"، لا أقولُ إلَّا عدلًا، وصدقًا في المُزاحِ، كما قال لأنَسٍ: يا ذا الأُذنينِ، ولصَحابيٍّ آخَرَ: إنِّي حامِلُك على ولَدِ النَّاقةِ، وغيرِ ذلك مِن المواقفِ.
وأمَّا ما رُوي عن ذمِّ المُزاحِ والنَّهيِ عنه، مثلُ قولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تُمارِ أخاك ولا تُمازِحْه"، "لا يأخُذْ أحدُكم مَتاعَ أخيه جادًّا ولا لاعبًا"، فليس هذا مِن المُزاحِ المحمودِ المباحِ؛ فإنَّما هذا يُهيِّجُ الضَّغائنَ؛ لأنَّه يتَسلَّطُ به على ضَررِ رجلٍ أو مالِه، ولكنْ كلُّ ما ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن المُزاحِ إنَّما هو خَفْضُ الجَناحِ للمُؤمنين وبَسْطُ الوجهِ وطلَبُ التَّودُّدِ معَهم، دونَ أن يُسقِطَ الهيبةَ والوَقارَ.
وفي الحَديثِ: بيانُ لُطفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مع أصحابِه وحُسْنِ عِشْرتِه للنَّاسِ.