باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له
سنن الترمذى
حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وقلت: إنه ليتيم، فقال: «أهريقوه» وفي الباب عن أنس بن مالك: حديث أبي سعيد حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وقال بهذا بعض أهل العلم، وكرهوا أن تتخذ الخمر خلا، وإنما كره من ذلك والله أعلم أن يكون المسلم في بيته خمر حتى يصير خلا، ورخص بعضهم في خل الخمر إذا وجد قد صار خلا. أبو الوداك اسمه جبر بن نوف
قوله : ( فلما نزلت المائدة ) أي : الآية التي فيها تحريم الخمر ، وهي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآيتين .
( عنه ) أي : عن الخمر التي عندي لليتيم ، والخمر قد يذكر ، أو بتأويل الشراب ( فقال أهريقوه ) أي : صبوه والأصل أريقوه من الإراقة ، وقد تبدل الهمزة بالهاء ، وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معا كما وقع هنا ، وهو نادر ، وفيه دليل على أن الخمر لا تملك ، ولا تحبس ، بل تجب إراقتها في الحال ، ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة قوله : ( وفي الباب عن أنس بن مالك ) أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال : " أهرقها " قال أفلا أجعلها خلا ؟ قال : " لا " . أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي . قوله : ( حديث أبي سعيد حديث حسن ) وأخرجه أحمد قوله : ( وقال بهذا بعض أهل العلم وكرهوا أن يتخذ الخمر خلا إلخ ) قال الخطابي في المعالم : تحت حديث أنس في هذا بيان واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلا غير جائز ، ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة عليه ، وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، فعلم أن معالجته لا تطهره ، ولا ترده إلى المالية بحال . انتهى ، وقال الشوكاني في النيل : فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ، ولا تطهر بالتخليل .
هذا إذا خللها بوضع شيء فيها ، أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل ، أو نحو ذلك فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر ، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت [ ص: 399 ] بإلقاء شيء فيها . قلت : والحق أن تخليل الخمر ليس بجائز لحديث الباب ، ولحديث أنس المذكور ، ومن قال بالجواز فليس له دليل . ( ورخص بعضهم في خل الخمر إذا وجد قد صار خلا ) أي : من غير معالجة ، قال القاري في المرقاة تحت حديث أنس رضي الله عنه فيه حرمة التخليل وبه قال أحمد ، وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث : يطهر بالتخليل ، وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام ، فلو خللها عصى وطهرت ، والشافعي على أنه إذا ألقي فيه شيء للتخلل لم يطهر أبدا ، وأما بالنقل إلى الشمس مثلا فللشافعية فيه وجهان أصحهما تطهيره ، وأما الجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام لا عند من يجوز تخليل الخمر : أن القوم كانت نفوسهم ألفت بالخمر ، وكل مألوف تميل إليه النفس فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من دواخل الشيطان فنهاهم عن اقترانهم نهي تنزيه كي لا يتخذ التخليل وسيلة إليها ، وأما بعد طول عهد التحريم فلا يخشى هذه الدواخل ويؤيده خبر : نعم الإدام الخل . رواه مسلم عن عائشة وخير خلكم خل خمركم . رواه البيهقي في المعرفة عن جابر مرفوعا ، وهو محمول على بيان الحكم ؛ لأنه اللائق بمنصب الشارع لا بيان اللغة . انتهى كلام القاري . قلت : قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث : خير خلكم خل خمركم ما لفظه : قال البيهقي في المعرفة رواه المغيرة بن زياد ، وليس بالقوي ، وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر ، قال : وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه ، وعليه يحمل حديث فرج بن فضالة . انتهى . قلت : حديث فرج بن فضالة أخرجه الدارقطني في سننه عنه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة مرفوعا في الشاة أن دباغها يحل كما يحل خل الخمر ، قال الدارقطني : تفرد به فرج بن فضالة ، وهو ضعيف ، قاله الحافظ في الدراية ، قال ويعارض ظاهره حديث أنس : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر : أتتخذ خلا ؟ قال : " لا " . أخرجه مسلم ، وأخرج أيضا عنه أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال " أهرقها " قال : أفلا نجعلها خلا ؟ قال : " لا " . انتهى ، وأما القول بأن النهي للتنزيه فغير ظاهر ، وأما حديث نعم الإدام الخل . فالمراد بالخل الخل الذي لم يتخذ من الخمر جمعا بين الأحاديث ، والله تعالى أعلم .